Rss Feed

  1. ففي العراق ـ وفي مدينة الحلّة بالذات ـ أقام المحقّق العظيم الشيخ نصير الدين الطوسي المتوفّى سنة 672 ، مدرسة أنجب فيها تلامذةً عظاماً اشتهروا في الآفاق ، كالشيخ حسن بن المطهّر الحلّي المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى سنة 726 ، وأمثاله من كبار علماء الطائفة الشيعية الاثني عشريّة ، الذين كان لهم الدور البارز في نشر المذهب الشيعي وترويجه في العالم .
    وكان كتاب ( تجريد الاعتقاد ) أو ( تجريد الكلام ) تأليف المحقّق النصير
     

    الصفحة 12
    الطوسي من أشهر المتون الكلاميّة ، التي امتازت بين الكتب الاعتقادية عند الشيعة الإمامية ؛ لجمعه بين الدقّة والرّصانة والإيجاز ، ولذا تناوله العلماء ـ من الشيعة والسنّة ـ بالشرح والتعليق ، وكان أوّل من تناوله بالشرح والإيضاح تلميذه العلاّمة الحلّي المذكور .
    قال في كشف الظّنون : ( تجريد الكلام ، للعلاّمة المحقّق ، نصير الدين أبي جعفر محمّد بن محمّد الطوسي ، المتوفّى سنة 672 . وهو كتاب مشهور ، اعتنى عليه الفحول وتكلّموا فيه بالردّ والقبول ، له شروح كثيرة وحواشٍ عليها . فأوّل من شرحه : جمال الدين حسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي شيخ الشيعة ، المتوفّى سنة 726 ... وشرحه شمس الدين محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الإصفهاني ، المتوفّى سنة 746 ... وقد اشتهر هذا الشرح بين الطلاّب بالشرح القديم ، وعليه حاشية عظيمة للعلاّمة المحقق السيّد الشريف .. ) ثمّ ذكر الحواشي على حاشية الشريف ، ثمّ قال :
    ( ثمّ شرح المولى المحقّق علاء الدين علي بن محمّد الشهير بقوشجي المتوفّى سنة 879 شرحاً لطيفاً ممزوجاً ، وقد اشتهر هذا الشرح بالشرح الجديد . قال في ديباجته بعد مدح الفنّ والمصنّف :
    إنّ كتاب التجريد الذي صنّفه المولى الأعظم ، قدوة العلماء الراسخين ، أسوة الحكماء المتألّهين ، نصير الحقّ والملّة والدين ، تصنيف مخزون بالعجائب ، وتأليف مشحون بالغرائب ، فهو وإن كان صغير الحجم ، وجيز النظم ، فهو كثير العلم ، جليل الشأن ، حسن النظام ، مقبول الأئمّة العظام ، لم يظفر بمثله علماء الأعصار ، مشتمل على إشارات إلى مطالب هي الأمّهات ، مملوء بجواهر كلّها كالفصوص ، متضّمن لبيانات معجزة في عباراتٍ موجزة ، وهو في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار ، تداولته أيدي النظّار .
    ثمّ إنّ كثيراً من الفضلاء وجّهوا نظرهم إلى شرح هذا الكتاب ونشر معانيه ، ومن تلك الشروح وألطفها مسلكاً هو الذي صنّفه : العالم الربّاني ،

    الصفحة 13

    مولانا شمس الدين الأصبهاني ، فإنّه بقدر طاقته حام حول مقاصده ، وتلقّاه الفضلاء بحسن القبول ، حتى أنّ السيد الفاضل قد علّق عليه حواشي ، تشتمل على تحقيقات رائقة وتدقيقات شائقة ، تنفجر من ينابيع تحريراته أنهار الحقائق ، وتنحدر من علوّ تقريراته سيول الدقائق .
    ومع ذلك ، كان كثير من مخفيّات رموز الكتاب باقياً على حاله ، بل كان الكتاب على ما كان كونه كنزاً مخفّياً وسرّاً مطوّياً ، كدرّة لم تثقب ، لأنّه كتاب غريب في صنعته ، يضاهي الألغاز لغاية إيجازه ، ويحاكي الإعجاز في إظهار المقصود وإبرازه .
    وإنّي بعد أن صرفت في الكشف عن حقائق هذا العلم شطراً من عمري ، ووقفت على الفحص عن دقائقه قدراً من دهري ، فما من كتاب في هذا العلم إلاّ تصفّحت سينه وشينه ، أبت نفسي أن تبقى تلك البدائع تحت غطاء من الإبهام ، فرأيت أن أشرحه شرحاً يذلّل صعابه ، ويكشف نقابه ، وأضيف إليه فوائد التقطتها من سائر الكتب ، وزوائد استنبطتها بفكري القاصر ، فتصدّيت بما عنيت .
    فجاء بحمد الله تعالى كما يحبّه الأودّاء ، لا مطوّلاً فيمل ولا مختصراً فيخل ، مع تقرير لقواعده ، وتحرير لمعاقده ، وتفسير لمقاصده . انتهى ملّخصاً . وإنّما أوردته ليعلم قدر المتن والماتن ، وفضل الشّرح والشّارح (1) .
    ثمّ ذكر كاشف الظّنون الحواشي والتعاليق على الشرحين القديم والجديد ، ثمّ الحواشي على تلك الحواشي ، بما لا حاجة إلى ذكره اكتفاءً بما تقدّم (2) .