Rss Feed

  1. قال ( 230 ) : ( ثمّ إنّ أبا بكر لمّا أَيسَ من حياته ، دعا عثمان وأملى عليه كتاباً عهده لعمر ، فلمّا كتب ختم الصحيفة وأخرجها إلى الناس ، وأمرهم أن يبايعوا لمن في الصحيفة ، فبايعوا حتّى مرّت بعليّ ، فقال : بايعنا لمن فيها وإن كان عمر .

    الصفحة 292

    وبالجملة ، وقع الاتفاق على خلافته ) .
    أقول :
    نحن ننقل عن الكتب المعتمدة طرفاً من خبر عهد أبي بكر لعمر ، ليتبيّن مدى صحّة هذا الكلام .
    قال الطبري : ( قال الواقدي : حدّثني إبراهيم بن أبي النضر ، عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث قال : دعا أبو بكر عثمان خالياً ، فقال له : اكتب : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين : أمّا بعد . قال : ثمّ أغمي عليه فذهب عنه ، فكتب عثمان : أمّا بعد ، فإنّي قد استخلفت عليكم عمر بن الخطّاب ولم آلكم خيراً ، ثمّ أفاق أبو بكر فقال : اقرأ عليّ ، فقرأ عليه ، فكبّر أبو بكر وقال : أراك خفت أن يختلف الناس إن أفلتت نفسي في غشيتي ، قال : نعم . قال : جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله . وأقرّها أبو بكر رضي الله عنه من هذا الموضع ) (1) .
    فهكذا كان إملاء العهد !!
    وأمّا موقف الصّحابة من العهد ، فقد روى القاضي أبو يوسف بإسناده أنّه : ( لمّا حضرت الوفاة أبا بكر ، أرسل إلى عمر يستخلفه ، فقال الناس : أتستخلف علينا فظّاً غليظاً ، لو قد ملكنا كان أفظّ وأغلظ ؟ فماذا تقول لربّك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر ؟! قال : أتخوّفوني بربّي ؟! أقول : اللّهمّ أمّرت خير أهلك (2) .
    وقال ابن سعد : ( سمع بعض أصحاب النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر ، وخلوتهما به ، فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل منهم : ما أنت قائل لربّك إذا سألك عن استخلافك لعمر علينا ، وقد ترى غلظته ...) .
    ــــــــــــــــ
    (1) تاريخ الطبري 3/429 ـ ذكر استخلافه عمر بن الخطّاب .
    (2) كتاب الخراج : 11 .

    الصفحة 293
    ( وعن عائشة قالت : لمّا حضرت أبا بكر الوفاة ، استخلف عمر ، فدخل عليه عليّ وطلحة فقالا : من استخلفت ؟ قال : عمر . قالا : فماذا أنت قائل لربّك ؟ قال : أبالله تفرقاني ؟! لأنّا أعلم بالله وبعمر منكما ، أقول : استخلفت عليهم خير أهلك ) (1) .
    وفي غير واحد من الكتب عن عبد الرحمن بن عوف قال : ( دخلت على أبي بكر الصدّيق في علّته التي مات فيها ، فقلت : أراك بارئاً يا خليفة رسول الله ، فقال : أمّا إنّي على ذلك لشديد الوجع ، وما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشدّ عليّ من وجعي ، إنّي ولّيت أموركم خيركم في نفسي فكلّكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه ...) (2) .
    (  وقال المُغيرة بن شُعبة: إنّي لعند عمرَ بن الخطاب ، وليس عنده أحد غيري ، إذا أتَاه آتٍ فقال : هل لك يا أميرَ المؤمنين في نَفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، يزعمون : أنّ الذي فعل أبو بكر في نفسه وفيك لم يكن له ، وأنّه كان بغير مَشورة ولا مُؤامرة ؟! وقالوا : تعالوا نتعاهد أن لا نعود إلى مثلها .
    قال عمر: وأين هم ؟ قال : في دار طَلْحة .
    فخرج نحوهم وخرجتُ معه ، وما أعلمه يُبصرني من شدّة الغضب ، فلما رأوه كَرهوه وظنّوا الذي جاء له . فوقف عليهم ، وقال : أنتم القائلون ما قلتم ؟! والله لن تتحابّوا حتى يتحابّ الأربعة : الإنسان والشيطان يُغويه وهو يَلعنه ، والنار والماء يطفئها وهي تُحرقه ، ولم يأنِ لكم بعدُ ، وقد آن ميعادُكم ميعاد المسيح متى
    ــــــــــــــــــ
    (1) طبقات ابن سعد 3/199 ، 274 .
    (2) تاريخ الطبري 2/617 ، العقد الفريد 4/267 ، إعجاز القرآن للباقلاّني ، هامش الإتقان للسيوطي 184 ، الفائق في غريب الحديث للزمخشري (ورم) 1/45 ، وكذا في أساس البلاغة ، والنهاية في غريب الحديث ، ولسان العرب (ورم) .

    الصفحة 294

    هو خارج . قال : فتفرّقوا فسلك كلُّ واحد منهم طريقاً . قال المُغيرة : ثمّ قال لي : أدرك ابن أبي طالب فاحْبِسه علَيّ .
    فقلت : لا يفعل أميرُ المؤمنين وهو مُغد . فقال : أدرِكه وإلا قلتُ لك : يا بن الدبّاغة . قال : فأدركتُه ، فقلت له : قِف مكانَك لإمامك واحلُم فإنه سُلطان وسيَندم وتَندم .
    قال: فأقبل عمر ، فقال : والله ما خَرج هذا الأمر إلا من تحت يدك .
    قال عليّ : اتقِ أن لا تكون الذي نُطيعك فَنَفْتِنك . قال: وتُحب أن تكون هو ؟! قال : لا ، ولكنَّنا نُذكّرك الذي نَسيتَ ...) (1) .
    أقول : فاقرأ واحكم على التفتازاني بما يقتضيه الحقّ والإنصاف !