Rss Feed

  1. قوله (360) : ( الأوّل : خبر الغدير ... والجواب ... )
    أقول : لقد أوجز الكلام في بيان كيفيّة الاستدلال بحديث الغدير ، فليراجع في ذلك كتب أصحابنا ، ثمّ ناقش فيه سنداً ومتناً ودلالةً ، ونحن نتكلّم على ما قال في كلّ جهة بقدر الضرورة .
    أمّا سنداً فذكر : ( منع صحّة الحديث ، ودعوى الضرورة في العلم بصحّته لكونه متواتراً مكابرة ) .
    وفيه : أنّ هذا الحديث متواتر قطعاً ـ فضلاً عن الصحّة ـ عند أهل البيت وأتباعهم ، وأمّا أهل السنة فإنّما يستشهد أصحابنا بأخبارهم وأقوالهم إثباتاً للاتّفاق على المطلب وإلزاماً لمن تعصّب ... ولذا يكفي إقرار بعض من يحتجّ بقوله منهم بالصحّة فضلاً عن الإذعان بالتواتر ... وحينئذٍ نقول : لقد نصّ على صحّة

    الصفحة 98
    الغدير جماعة من أعلام أهل السنّة ، منهم :
    1 ـ الترمذي المتوفّى سنة 279 ، فإنّه قال بعد أن أخرجه : ( هذا حديث حسن صحيح (1) .
    2 ـ الطحاوي المتوفّى سنة 279 بعد أن رواه : ( فهذا الحديث صحيح الإسناد ولا طعن لأحدٍ في رواته (2) .
    3 ـ الحاكم المتوفّى سنة 405 حيث أخرجه بعدة طرقٍ وصحّحها (3) .
    4 ـ ابن عبد البر المتوفّى سنة 364 حيث قال بعد أحاديث في فضل أمير المؤمنين عليه السلام منها حديث الغدير : ( هذه كلّها آثار ثابتة(4) .
    5 ـ الذهبي المتوفّى سنة 748 ، حيث إنّه وافق الحاكم على تصحيحة في تلخيص المستدرك (5) .
    6 ـ ابن كثير الدمشقي المتوفّى سنة 774 ، حيث ذكر الحديث ثمّ عقّبه بقوله : ( قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : هذا حديث صحيح ) (6) .
    7 ـ ابن حجر العسقلاني المتوفّى سنة 852 حيث قال : ( وأمّا حديث : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه . فقد أخرجه الترمذي والنسائي ، وهو كثير الطرق جدّاً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتابٍ مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ... (7) .
    8 ـ ابن حجر المكّي المتوفّى سنة 974 : ( إنّه حديث صحيح لا مِرية فيه ، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد ، فطرقه كثيرة جداً ، ومِن ثمّ رواه ستة
    ــــــــــــــ
    (1) صحيح الترمذي 5 / 591 ، باب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام .
    (2) مشكل الآثار 2 / 308 .
    (3) المستدرك على الصحيحين 3 / 110 وغيره .
    (4) الاستيعاب ترجمة الإمام عليه السلام 3 / 1090 .
    (5) تلخيص المستدرك ـ المطبوع بذيله ـ 3 / 110 .
    (6) تاريخ ابن كثير 5 / 209 .
    (7) فتح الباري 7 / 61 .

    الصفحة 99
    عشر صحابياً ، وفي رواية لأحمد : إنّه سمعه من النبيّ ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعليّ لمّا نوزع أيام خلافته ، كما مرّ وسيأتي ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ، ولا التفات لمن قدح في صحّته ، ولا لمن ردّه بـ : أنّ علياً كان باليمن لثبوت رجوعه منها ... ) (1) .
    9 ـ علي القاري المتوفّى سنة 1014 ، فإنّه قال بعد أن رواه : ( والحاصل : أنّ هذا حديث صحيح لا مرية فيه ، بل بعض الحفّاظ عدّه متواتراً ... فلا التفات لمن قدح في ثبوت هذا الحديث ، وأبعد من ردّه بأنّ عليّاً كان باليمن ...(2) .
    10 ـ المناوي المتوفّى سنة 1013 ، حيث قال : ( قال ابن حجر : حديث كثير الطّرق جدّاً ، قد استوعبها ابن عقدة في كتابٍ مفرد ، منها صحاح ومنها حسان ... ) (3) .
    هؤلاء جماعة من أكابر القوم نصّوا على صحّة الحديث ، ولو شئنا أن نذكر غيرهم لذكرنا ... ولنذكر جماعةً نصّوا على تواتره فمنهم :
    1 ـ شمس الدين الذهبي .
    2 ـ ابن كثير الدمشقي ، حيث قال : ( وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي ... الحديث متواتر أتيقّن أنّ رسول الله قاله (4) .
    3 ـ ابن الجزري المتوفّى سنة 833 : ( صحيح عن وجوه كثيرةٍ متواتر عن أمير المؤمنين عليّ ، وهو متواتر أيضاً عن النبيّ ، رواه الجمّ الغفير عن الجمّ الغفير ، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممّن لا اطلاع له في هذا العلم ... وصحّ عن جماعة ممّن يحصل القطع بخبرهم (5) .
    ـــــــــــــــ
    (1) الصواعق المحرقة : 25 .
    (2) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 568 .
    (3) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 6 / 218 .
    (4) تاريخ ابن كثير 5 / 213 .
    (5) أسنى المطالب 3 ـ 4 .

    الصفحة 100
    4 ـ السيوطي المتوفّى سنة 910.
    5 ـ المنّاوي ، حيث قال بشرح الحديث ناقلاً عن السيوطي : ( قال : حديث متواتر ) (1) .
    فظهر :
    أوّلاً : أنّ الحديث صحيح ، وأنّ من حاول تضعيفه لا اطّلاع له في هذا العلم ، فكيف يصغى إلى من طعن فيه ؟
    وثانياً : أنّ الحديث متواتر ، وقوله : ( دعوى الضرورة ... مكابرة ) مكابرةٌ .
    وثالثاً : أنّ الحديث طرقه كثيرة ورواته كثيرون ، وقوله : ( لم ينقله أكثر أصحاب الحديث ) باطلٌ .
    وأمّا متناً فقد ذكر : ( أنّ علياً لم يكن يوم الغدير مع النبيّ فإنّه كان باليمن ) .
    وهذا كذب ؛ فقد ثبت قدوم عليّ عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأخرجه أرباب الصحاح كلّهم ، ففي الحديث الذي اتّفقوا على إخراجه : ( عن أنس بن مالك ، قال : قدم عليّ على النبيّ من اليمن ، فقال : بمَ أحللت ... (2) .
    كما نصّ على حضوره عليه السلام يوم الغدير ـ مع الاستنكار على من نَفى ذلك ـ جماعة من أعلام القوم ، كالطحاوي وابن حجر المكّي والقاري ...
    وكأنّ الشارح التفت إلى بطلان هذه الدعوى فحاول إصلاحها بقوله : ( وردّ هذا بأنّ غيبته لا تنافي صحّة الحديث ... ) .
    وأمّا دلالةً :
    فالعمدة في كلامه قوله : ( لأنّ مفعل بمعنى : أفعل . لم يذكره أحدٌ من أئمّة
    ____________
    (1) التيسير في شرح الجامع الصغير 2 / 442 .
    (2) صحيح البخاري 2 / 172 ، صحيح مسلم 4 / 40 ، سنن الترمذي 2 / 216 ، سنن أبي داود 2 / 158 ، سنن النسائي 5 / 157 ، سنن ابن ماجة 2 / 1024 .


    الصفحة 101

    العربية ، وقوله تعالى :
     ( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) ، أي مقرّكم وما إليه مآلكم وعاقبتكم ، ولهذا قال الله تعالى : ( وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) ) .
    فنقول : إذا ثبت مجيء ( مفعل ) بمعنى : ( أفعل ) ، بنصّ أئمّة العربية من أهل السنّة ، كان اللاّزم الإذعان بتمامية الاستدلال ، ورفع اليد عن الشبهات المترتّبة على إنكار مجيء الكلمة بالمعنى المذكور ...
    [و] لقد نصّ على مجيء ( مفعل ) بمعنى ( أفعل ) أكابر أئمّة العربية ومشاهير المفسّرين ... ولنذكر منهم طائفةً :
    1 ـ محمّد بن السّائب الكلبي .
    2 ـ يحيى بن زياد الفراء .
    3 ـ أبو إسحاق الزجّاج .
    4 ـ أبو عبيدة معمّر بن المثنى .
    قال الرازي بتفسير : ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) : ( قال الكلبي : يعني : أولى بكم . وهو قول الزجّاج والفرّاء وأبي عبيدة ) (1) .
    5 ـ أبو العبّاس ثعلب . قال الزوزني بشرح شعر من المعلّقات : ( وقال ثعلب : إنّ المولى في هذا البيت بمعنى الأولى بالشيء ، كقوله تعالى : ( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) ، أي : هي الأولى بكم ) (2) .
    6 ـ أبو نصر الجوهري ، فقد نصّ عليه بشرح شعر لبيد (3) .
    7 ـ الحسين بن مسعود الفرّاء البغوي بتفسير الآية : ( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) : ( صاحبتكم ، وأولى بكم ؛ لِما أسلفتم من الذنوب ) (4) .
    8 ـ جار الله الزمخشري : ( ومولاي : سيدي وعبدي . ومولى بيّن الولاية :
    ـــــــــــــــ
    (1) تفسير الرازي 29 / 227 .
    (2) شرح المعلّقات للزوزني : 91 .
    (3) صحاح اللغة : ( ولي ) .
    (4) معالم التنزيل 8 / 29 .

    الصفحة 102

     ناصر ، وهو أولى به ) (1) .
    9 ـ ابن الجوزي بتفسير الآية : ( قوله : مولاكم ، قال أبو عبيدة : أي : أولى بكم ) (2) .
    10 ـ البيضاوي : ( مولاكم : هي أولى بكم ... ) (3) .
    وإن شئت المزيد فراجع بتفسير الآية : الكشّاف ، غرائب القرآن ، البحر المحيط ، مدارك التنزيل ، تفسير الجلالين ، تفسير أبي السعود ... وغيرها من التفاسير المعتمدة عند القوم .
    بل اعترف بذلك التفتازاني في ( شرح المقاصد ) ، والقوشجي في ( شرح التجريد ) ، فلاحظ .
    بل إنّ ( المولى ) يجيء بمعنى ( المتصرّف في الأمر ) فتكون دلالة الحديث على المطلوب أوضح ، وقد نصّ على ذلك غير واحدٍ من المفسّرين والمحدّثين (4) .
    فهل هذا القدر كاف ؟!
    فظهر :
    1 ـ أنّ الحديث صحيح بن متواتر قطعي الصدور .
    2 ـ وأنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان حاضراً يوم الغدير .
    3 ـ وأنّ ( المولى ) فيه بمعنى ( الأولى ) .
    بقي الكلام في قوله : ( وإن سلّم : أنّ هذا الحديث صحيح . فرواته لم يرووا مقدّمة الحديث ، وهي : ألست أولى بكم من أنفسكم . فلا يمكن أن يتمسّك بها في أنّ المولى بمعنى الأولى ) .
    فالماتن ينكر أن يكون رواة الحديث قد رووا مقدّمته ، لكن الشارح يلتفت
    ــــــــــــــ
    (1) أساس البلاغة ( ولي ) .
    (2) زاد المسير في علم التفسير 8 / 167 .
    (3) تفسير البيضاوي 716 .
    (4) تفسير الرازي 13 / 17 ، 23 / 74 ، المرقاة في شرح المشكاة 5 / 568 .

    الصفحة 103

    إلى كذب هذه الدعوى ، فيستدرك قوله ( فرواته ) ـ الظاهر في الكلّ ـ بقوله ( أي : أكثرهم ) ولو سلّمنا أنّ الأكثر لم يرووا ففي رواية الأقل كفاية ... لكنّ الواقع رواية الأكثر للمقدّمة ، وهم أمثال : معمّر بن راشد ، عبد الله بن نمير ، أبي نعيم فضل بن دكين ، عفان بن مسلم ، ابن أبي شيبة ، قتيبة بن سعيد الثقفي ، أحمد ابن حنبل ، ابن ماجة ، أبي بكر البزّار ، النسائي ، أبي يعلى الموصلي ، محمّد بن جرير الطبري ، أبي حاتم البستي ، الطبراني ، الدارقطني ، أبي موسى المديني ، ابن كثير الدمشقي ... وغيرهم .. فارجع إلى : مسند أحمد 4 / 372 ، 5 / 347 ، كنز العمّال 13 / 131 ، 134 / 158 ، الخصائص : 95 ، سنن ابن ماجة 1 / 43 ، الرياض النضرة 2 / 223 ، تاريخ ابن كثير 7 / 348 ـ 349 ...