Rss Feed

  1. مذهب أصحابنا أن لا طريق إلى ثبوت الإمامة إلاّ النصّ أو ما يقوم مقامه وهو ظهور المعجز على يد المدّعي لها ، وذهب القوم إلى ثبوتها بالنصّ والبيعة .
    ـــــــــــــــــ
    (1) الشافي في الإمامة 1 / 196 .
    (2) تلخيص الشافي 1 / 275 .
    (3) الباب الحادي عشر : 48 .

    الصفحة 171
    قال (255) :
    لنا على كون البيعة والاختيار طريقاً ، أنّ الطريق : إمّا النصّ وإمّا الاختيار ، والنصّ منتفٍ في حقّ أبي بكر مع كونه إماماً بالإجماع ، وكذا في حقّ عليّ على التحقيق . وأيضاً : اشتغل الصّحابة بعد وفاة النبيّ ... فكان إجماعاً على كونه طريقاً ، ولا عبرة بمخالفة الشيعة بعد ذلك) .
    أقول : لقد أقرّ بانتقاء النصّ في حقّ أبي بكر . وكونه إماماً دعوى تحتاج إلى إثبات ، والإجماع غير متحقّق . ونفي النصّ في حقّ علي عليه السلام لا يسمع ، لأنّ المثبت مقدّم على النافي . ولا يخفى اختلاف تعبيره بين النّفيين . هذا في الوجه الأوّل .
    وفي الثاني : أنّ اشتغال ( الصحابة ) بعد وفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم غير حاصل ، بل المشتغلون بعضهم ، والإجماع بين هذا البعض غير حاصل فكيف بالكلّ ؟ وإذ لم يتحقّق الإجماع فلا عبرة بقوله : ( لا عبرة بمخالفة الشيعة بعد ذلك ) .
    هذا كلّه بغضّ النّظر عن المفاسد المترتبة على الاختيار ، وبغض النظر عن عدم الدليل على اعتبار إجماع الصحابة بل الأمّة ما لم يكن بينهم معصوم .
    ومن العجب أنّهم يقولون بتفويض أمر الإمامة إلى ( الأمّة ) ويزعمون أنّ إمامة أبي بكر كانت بالإجماع ، ثمّ يقولون بأنّه يتحقق ( باختيار أهل الحلّ والعقد وبيعتهم ) و ( من غير أن يشترط إجماعهم على ذلك ) 254 ، ثمّ يقولون بأنّه : ( ينعقد بعقد واحد منهم ) 254 !
    فانظر كيف نزلوا من ( الخالق ) و ( الأمّة ) و ( الإجماع ) إلى ( أهل الحلّ والعقد ) إلى ( الواحد ) ! وكيف يحلّ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر إيجاب إتباع من لم ينصّ الله عليه ولا

    الصف1حة 172
    رسوله ، ولا اجتمعت الأمّة عليه ، على جميع الخلق ، في شرق الدّنيا وغربها ، لأجل مبايعة واحد ؟!
    قال (255) :
    احتجت الشيعة بوجوه : الأوّل : أنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً أفضل من رعيّته ... ورُدّ بمنع المقدّمتين ... .
    أقول : قد ثبت تماميّة المقدّمتين ، وتقدّم أنّه لولا العصمة والأفضلية بالأعلميّة وأمثالها من الصّفات لم يبق فرق بين الإمام والمأموم ، فالأمران معتبران في الإمام ، ولا سبيل إلى معرفة ذلك بالاختيار ، فانحصر الطريق في النصّ .
    قال (255) :
    الثاني : أنّ أهل البيعة لا يقدرون على تولية مثل القضاء ... وردّ بمنع الصغرى ... ولو سلّم فذلك لوجود من إليه التّولية وهو الإمام ... ) .
    أقول : أمّا ما ذكره أوّلاً فلا يخفى ما فيه ، إذ لا ولاية لقاضي التحكيم وللشاهد على القاضي .
    وأمّا ما ذكره ثانياً ـ ولعلّه إنّما ذكره لالتفاته إلى المغالطة في كلامه ـ ففيه : أنّه خروج عن الكلام ، فإنّه في طريق تعيين الإمام ...
    قال (255) :
    الثالث : أنّ الإمامة لإزالة الفتن ، وإثباتها بالبيعة مظنّة إثارة الفتن ، لاختلاف الآراء ... وردّ بأنّه لا فتنة عند الانقياد للحقّ ... ) .
    أقول :
    ولكنّ المشخّص للحقّ ما هو ؟ هل البيعة أو النصّ ؟ إن كان الأوّل ففيه المحذور ، فلا مناص من الثاني .

    الصفحة 173
    وقوله : ( نزاع معاوية لم يكن في إمامة عليّ ، بل في أنّه هل يجب عليه بيعته قبل الاقتصاص من قتلة عثمان ؟ ) باطل جداً :
    أمّا أوّلاً : فلأنّه أخذ البيعة من أهل الشام لنفسه بالإمامة .
    وأما ثانياً : فلأنّه وصف هو وأتباعه بالفئة الباغية ، فلو كان توقّفه عن البيعة للإمام عليه السلام لما ذكره ، لَما وُصِفوا بذلك .
    وأمّا ثالثاً : فلأنّ الإمام عليه السلام بايعه فضلاء الصحابة وعظماء المسلمين من غير منازعة في شيء ، ومن معاوية لينفرد بمنازعة الإمام عليه السلام بما ذكر ؟!
    لقد كان الأولى بالسّعد أن يجلّ نفسه عن الدفاع عن البغاة !!
    وكذا قوله : ( ولو سلّم ، فالكلام فيما إذا لم يوجد النصّ ... ) ؛ لأنّ الكلام في طريق ثبوت الإمامة ، وهو إمّا النصّ كما هو الحقّ ، وإمّا الاختيار كما يقولون ، وإذ كان الاختيار منشأ المفاسد فالرجوع إلى النصّ هو المتعيّن ، وفرض عدمه أوّل الكلام ...
    قال (256) :
    ( الرابع : أنّ الإمامة خلافة الله ورسوله ... وردّ : بأنّه لمّا قام الدليل الدليل من قبل الشارع ـ وهو الإجماع ـ على أنّ من اختاره الأمّة خليفة الله ورسوله كان خليفة سقط ما ذكرتم ... ) .
    أقول :
    أوّلاّ : إنّه لم تتحقّق صغرى هذا الإجماع .
    وثانياً : لو سلّمنا تحقّقه ، فأين قول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم التام سنداً ودلالةً عند الكلّ على أنّ الأمّة إذا أجمعت على اختيار شخص خليفة لله ورسوله كان خليفة ؟!
    وثالثاً : لو سلّمنا وجود هكذا قول فقد عاد الأمر إلى النصّ .
    ورابعاً : لو سلّمنا قيام الإجماع المذكور وكفايته عن النصّ فهو قائم

    الصفحة 174
    بالفرض على أنّ من اختاره ( الأمّة ) ... لا من اختاره ( الواحد ) . وهذا من موارد تناقضاتهم ...
    قال ( 256) :
    الخامس : أنّ القول بالاختيار يؤدّي إلى خلوّ الزمان عن الإمام ... وردّ بأنّه ... ) .
    أقول : نعم ، إنّ القول بالاختيار يؤدّى إلى خلوّ الزمان عن الإمام ، فيتسلّط الجبابرة الأشرار ويستولي الظلمة والكفّار ... ولمّا كانت هذه المفسدة مترتبة على الاختيار فانّه يسقط عن الطريقية ويتعيّن النصّ . وهنا يلتجأ القوم إلى تقييد الاختيار بحال ( الاقتدار ) ويقولون بوجوب إطاعة الكفّار والفجّار عند ( العجز والاضطرار ) ، ولم يعبأ حينئذٍ بعدم العلم والعدالة وسائر الشرائط ... 245 ... ! وهذا كلّه للفرار عن الرجوع إلى النصّ والإنكار له !!
    قال (256) :
    السّادس : أنّ سيرة النبيّ وطريقته على أنّه كان لا يترك الاستخلاف على المدينة ... فكيف يترك الاستخلاف في غيبة الوفاة ... ؟! والجواب : أنّ ذلك مجرّد استبعاد . على أنّ التفويض إلى اختيار أهل الحلّ والعقد واجتهاد أرباب الألباب نوع استخلاف ... ) .
    أقول : هل إنّ ذلك مجرّد استبعاد حقاً ؟ ليته لم يقله واكتفى بما ادّعاه من التفويض ... لكن فيه :
    أوّلاً : أين الدليل التام المقبول على هذا التفويض ؟!
    وثانياً : على فرض ثبوته فإنّه إلى ( اختيار أهل الحلّ والعقد ... ) كما ذكر ، لا إلى ( واحد ) منهم إن كان منهم .
    وثالثاً : إنّ تفويض الأمر إلى الأصحاب محالٌ ؛ لأنّه لا يخلو صلّى الله عليه

    الصفحة 175
    وآله وسلّم من أن يكون عالماً بما سيقع بين الأصحاب وسائر الأمّة من الافتراق الاختلاف أو يكون جاهلاً بذلك ، فإن كان عالماً ففوّض الأمر إليهم مع ذلك فقد خان الله والإسلام والمسلمين ـ والعياذ بالله من ذلك ، وإن كان جاهلاً بما سيكون فهذا نقص كبير والعياذ بالله من نسبته إليه ... وإذا كان اللازم من الخيانة والجهل محالاً فالملزوم وهو التفويض محال .
    قال ( 257) :
    ( السابع : إنّ النبيّ كان لأمّته بمنزلة الأب الشفيق لأولاده الصّغار ، وهو لا يترك الوصيّة في الأولاد إلى واحد يصلح لذلك ، فكذا النبيّ في حقّ الأمّة . الثامن : قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (1) . ولا خفاء في أنّ الإمامة من معظمات أمر الدين ، فيكون قد بيّنها وأكملها ... والجواب عنهما بمثل ما سبق ) .
    أقول : توضيح الوجه السّابع هو : أنّ نسبة عدم الوصيّة إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم خطيئة كبيرة لا تغفر أبداً ، فالوصيّة ممّا ندب إليه الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ، قال الله تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (2) وقال رسول الله : ( ما حقّ امرئ مسلم له شيءٍ يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلاّ ووصيّته مكتوبة عنده ) (3) .
    وإذا كان هذا حكم الرّجل بالنسبة إلى أولاده ، وأمواله ، فالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي يريد مفارقة أمّته وهو بالنسبة إليهم كالأب الشفيق كذلك بل أولى . وهل هذا مجرّد استبعاد ؟!
    ـــــــــــــــــ
    (1) سورة المائدة : 3 .
    (2) سورة البقرة : 176 .
    (3) راجع صحيحي البخاري ومسلم في كتاب الوصايا .

    الصفحة 176
    وتوضيح الوجه الثامن هو : أنّ هذه الآية نزلت في يوم غدير خم ، بعد أن خطب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ونصّ فيها على إمامة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، وأوصى الأمّة بالتمسّك بالثقلين وهما الكتاب والعترة ... وقد روى ذلك كبار الحفّاظ وأئمّة الحديث والتفسير من أهل السنّة في كتبهم ... فالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ما مات بلا وصيّة ، بل أوصى ، وكانت وصيّته بالكتاب وعِترته أهل بيته ... (1)وكان النصّ ، ولا تفويض إلى الاختيار .
    قال (257) :
    خاتمة : عقد الإمامة ينحلّ بما يخلّ بمقصودها كالرّدة ... ) .
    أقول : هذه أحكام إمامة البيعة والاختيار ... ولا يخفى أنّهم يقولون بانحلاله في حال ( الاقتدار ) ، وأمّا في حال ( الاضطرار ) فيقولون بإمامة ( المرتد ) ، ولكن ما هو ملاك ( الاقتدار ) و ( الاضطرار ) ؟ ومن المرجع في تشخيصه ؟ ومن العجب أنّهم يشترطون في الإمامة (العدالة ) كما عرفت ، ثمّ يختلفون في انعزاله بالفسق ، قال : ( والأكثرون على أنّه ينعزل ، وهو المختار من مذهب الشّافعي وأبي حنيفة ، وعن محمّد روايتان . ويستحقّ العزل بالاتّفاق ) . وأيضاً : يشترطون العقل ثمّ يجوّزون إمامة المجنون غير المطبق كما هو مفاد التقييد بالمطبق .
    ثم إنّ المتسلّط بالقهر والغلبة إمامٌ عندهم ؛ ولذا ذكروا حكمه ( ومن صار إماماً بالقهر والغلبة ينعزل بأن يقهره آخر ويغلبه ) . ولكن هل المراد من هذه الإمامة ( الخلافة عن النبيّ ) ؟!
    ـــــــــــــــــ
    (1) ذكر حديث الغدير وحديث الثقلين في الكتاب ، وتوضيح الاستدلال بكلّ منهما في موضعه . وأمّا نزول الآية المباركة يوم الغدير فرواه من أئمّة أهل السنّة جماعة كما ستعلم