Rss Feed

  1. قال ( 278) :
    وأمّا تفصيلاً فممّا يقدح في إمامة أبي بكر أنّه خالف كتاب الله تعالى في منع إرث النّبي بخبرٍ رواه ... ومنها : أنّه منع فاطمة فدك ... والجواب ... ) .
    أقول :
    لا يخفى الفرق الكبير والاختلاف الكثير بين ما ذكره السّعد وما ذكره شيخه العضد ، تقريراً وجواباً ... فراجع ، والملاحظ :
    1 ـ أنّ السّعد لم ينكر تفرّد أبي بكر بما نسبه إلى النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة .

    الصفحة 222
    2 ـ أنّه لم ينكر أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وهب فاطمة عليها السلام فدكاً .
    3 ـ إنّه لم ينكر تصديق أبي بكر أزواج النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في ادّعاء الحجرة لهنّ من غير شاهد ، ولم يجب عن هذا النقض بشيء أصلاً .
    4 ـ إنّه لم ينكر كون فدك بيد الزهراء عليها السلام منذ حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، بل أثبت ذلك بقوله : ( ثمّ ردّها عمر بن عبد العزيز أيّام خلافته إلى ما كانت عليه ) .
    وخلاصة كلام أصحابنا في هذا المقام هو :
    إنّ أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً (1) ـ وهي غير خيبر وليست قرية منها ـ فطالبت فاطمة عليها السلام منه رفع الاستيلاء على هذا الملك الحاصل لها هبةً من والدها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم (2) ، وإذا كان السّعد لا ينكرها هاتين المقدّمتين فلماذا لا يعترف بالحقّ صراحة ؟! وإن كان منكراً لكلتيهما أو إحداهما فلماذا يصرّح بالإنكار ولم يدافع عن أبي بكر ؟ إنّ الشيء الذي قاله هو :
    ( والجواب : أنّه لو سلّم صحة ما ذكر فليس على الحاكم أن يحكم بشهادة رجل وامرأة ، وإن فرض عصمة المدّعي والشاهد ، وله الحكم بما علمه يقيناً وإن لم يشهد به شاهد ) .
    لكن فيه :
    أوّلاً : أنّ أبا بكر لم يكن حاكماً في القضية بل كان خصماً .
    وثانياً : أنّ الزهراء عليها السلام كانت صاحبة اليد فلم يكن له أن يطالبها بالشهود ، بل كان عليه إقامة البيّنة ليجوز له الاستيلاء على ملكها .
    وثالثاً : إذا أقام المدعي البيّنة وجب على الحاكم أن ينظر فيها ، فإن وجدها
    ــــــــــــــــــ
    (1) لاحظ : الدرّ المنثور 4 / 177 .
    (2) الصواعق المُحرقة : 31 .

    الصفحة 223
    معتبرة ولا معارض ، وجب عليه الحكم على طبقها ، وليس له الحكم بعلمه حتى النبيّ ، فإنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم يصرّح بذلك حيث يقول في الحديث المتّفق عليه : ( إنّما أنا بشر وإنّكم تختصمون إليّ ، ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض ، فاقضي نحو ما أسمع ، فمن قضيت له بحقّ أخيه فإنّما أقطع له قطعةً من النار ) (1) .
    ورابعاً : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قضى باليمين مع الشاهد الواحد (2) فهلاّ طلب أبو بكر من الزهراء اليمين وقد شهد لها عليّ عليه السلام ؟!
    وخامساً : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قضى بالشاهد الواحد وهو عبد الله بن عمر (3) ، فهلاّ قضى أبو بكر بأمير المؤمنين عليه السّلام وحده ؟ وهل كان عنده أقلَّ من عبد الله بن عمر ؟‍‍!
    وسادساً : هذا كلّه بعض النظر عن عصمة الزهراء عليها السلام ، وعصمة أمير المؤمنين والحسنين ( ولم يذكرهما السّعد ) وبغض النظر عن كون أم أيمن مشهوداً لها بالجنّة كما في ترجمتها من ( الإصابة ) وغيرها .
    ثمّ إنّها سلام الله عليها ـ بعد أن لم يصدّق أبو بكر علياً والحسنين وأم أيمن ، مع أنّه صدّق أزواج النبي في ادّعائهنّ من غير شاهد ـ جاءت تطالب بفدك وغير فدك من إرثها من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
    أخرج البخاري ومسلم عن عائشة ـ واللفظ للأوّل ـ قالت : ( إنّ فاطمة عليها السلام بنت النبيّ أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر . فقال أبو بكر : إنّ رسول الله قال : لا نورّث ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي والله لا أغيّر شيئاً من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ، ولأعملنّ فيها بما عمل
    ــــــــــــــــــ
    (1) جامع الأصول 10 / 553 أخرجه البخاري ومسلم ومالك والترمذي وأبو داود والنسائي .
    (2) جامع الأصول 10 / 555 أخرجه مالك ومسلم وأبو داود والترمذي ...
    (3) جامع الأصول 10 / 557 أخرجه البخاري .

    الصفحة 224
    به رسول الله ، فأبي أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً . فَوَجَدت فاطمة على أبي بكر فهجرته فلم تكلّمه حتى توفّيت . وعاشت بعد النبي ستة أشهر . فلمّا توفّيت دفنها زوجها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها . وكان لعليّ من الناس وجه حياة فاطمة ) (1) .
    لكنّ الكلام في الحديث الذي ادّعاه ، فإنّ القوم لم يتمكّنوا من إثبات تماميّته سنداً ودلالة ، أمّا سنداً فإنّ ما ذكره السّعد في الجواب من ( أنّ الخبر المسموع من فم رسول الله إن لم يكن فوق التواتر فلا خفاء في كونه بمنزلته ، فيجوز للسامع المجتهد أن يخصص به عامّ الكتاب ) مشتمل على ثلاثة دعاوٍِ :
    1 ـ أنّ أبا بكر سمع الحديث من فم رسول الله .
    2 ـ أنّ أبا بكر مجتهد .
    3 ـ أنّ للسامع المجتهد أن يخصّص به عام الكتاب .
    وهذه الدعاوى لابدّ لها من إثبات ، فإنّها أوّل الكلام ، ولو أنّا تيقّنا بأنّ أبا بكر سمع الحديث من فم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما كان كلّ هذا البحث ... لكنّ أبا بكر متّهم في هذا الموضع فهو خصم لا حكم ، واطلاعه هو وحده بهذا الحديث ، بحيث لم يسمعه من النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أحد من أهله وذويه ، يورث الشكّ في روايته ، بل لم يسمع أحد من أبي بكر هذا الحديث عن النبيّ حتى تلك الساعة ، بل ادعاء الأزواج إرثهنّ من رسول الله تكذيب له ... كما كان تصديقه لهنّ في ادعّاء الحجرة يكشف عن غرض له في نفسه مع الزهراء وأهل البيت !
    هذا كلّه بناءً على ثبوت دعوى أبي بكر سماع ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم . وأمّا بناءً على وضع هذا الحديث بعد ذلك تبريراً وتوجيهاً لمنع أبي
    ــــــــــــــــــ
    (1) صحيح البخاري : باب غزوة خيبر . صحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير .

    الصفحة 225
    بكر فاطمة عليها السلام حقّها ، كما عليه الحافظ البارع الناقد ابن خراش البغدادي المتوفّى سنة 283 (1) . سقوط تلك الدّعاوى والتوجيهات في غاية الوضوح . وعلى كلّ تقدير فالحديث باطل .
    وأمّا دلالة ففي الحديث المزعوم احتمالات كما ذكر العضد (2) ، ولم يشر إلى ذلك السّعد ، والحاصل أنّه كما يحتمل أن تكون كلمة ( صدقة) مرفوعة على الإخبار به عن ( ما ) الموصولة في ( ما تركناه ) كذلك أن يكون ( ما ) منصوبةً محلاً على المفعولية لـ ( تركناه ) وتكون ( صدقة ) حالاً من ( ما ) فما المثبت للاحتمال الأوّل ؟  بل المتعيّن ـ إن صحّ الحديث ـ هو الثاني لتكذيب عليّ والزهراء والحسنين وأهل البيت والعبّاس وأزواج النبيّ وسائر المسلمين ... هذا الحديث أو عدم سماعهم إيّاه من رسول الله ... بل إنّ ردّ عمر بن عبد العزيز فدكاً إلى أولاد فاطمة ـ وهو عند جماعة من أعلامهم خامس الخلفاء الراشدين ـ تكذيب صريح ، بل إنّ أبا بكر كذّب نفسه في أواخر حياته ، حيث تمنّى أن كان قد سأل النبّي (3) عن حقّ أهل البيت في الخلافة ، فإنّ هذا ـ وإن تضليلاً ـ دليل على ندمه على تصدّي الأمر وما ترتّب عليه من أفعال وتروك .
    وبعد فإنّ السّعد لم يجب عن هذه القضية جواباً ، وإنّما قال كلاماً أساسه حسن الظنّ بأبي بكر والتعصّب على الشيعة ... ثمّ إنه صرّح بهذا بقوله :
    ( ولعمري أنّ قصّة فدك على ما يرويه الروافض من بيّن الشواهد على أنهماكهم في الضلالة وافترائهم على الصحابة ... ) إلى آخر ما قال ممّا لا يليق بنا الجواب عنه ...
    ــــــــــــــــــ
    (1) لاحظ : تذكرة الحفاظ 2 / 674 ، ميزان الاعتدال 2 / 600 ، لسان الميزان 3 / 444 ، طبقات الحفّاظ : 297 وقد ذكرنا تفصيل ذلك في ( الطرائف ) .
    (2) شرح المواقف في علم الكلام 8 / 355 .
    (3) تاريخ الطبري 4 / 52 وغيره .