Rss Feed

  1. قال (224) :
    يشترط في الإمام أن يكون : مكلّفاً ، حراً ، ذكراً ، عدلاً ... وزاد الجمهور : اشتراط أن يكون شجاعاً ... مجتهداً ... ذا رأي ... واتّفقت الأمّة على اشتراط كونه قرشياً ، أي : من أولاد نضر بن كنانة ، خلافاً للخوارج وأكثر المعتزلة . لنا : السنّة والإجماع ... ) .
    أقول :
    قد عرفت في التعريف أنّ ( الإمام ) إنّما هو ( خليفة النّبيّ ) ... والقوم لم يشترطوا فيه بالاتّفاق إلاّ :
    التكليف ، والحريّة ، والذّكورة ، والعدالة . واختلفوا في شروط هي : الشجاعة والاجتهاد والرأي . قال :
    واتّفقت الأمّة على اشتراط كونه قرشياً ) فادّعى الاتّفاق ، لكن قال : ( خلافاً للخوارج وأكثر المعتزلة ) !!
    ثمّ استدل لاشتراط القرشيّة بالكتاب والسنّة ، وأصرّ عليها إصراراً ...
    أقول :
    أمّا التكليف والحريّة والذكورة ... فالواجدون لها من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بالآلاف ، وكذا ( العدالة ) لا سيّما بناء على المشهور بينهم من أصالة العدالة في الصّحابة ، وكذا ( الشجاعة ) و ( الرأي ) ، فإنّهما ـ على القول باعتبارهما ـ كانا في كثير من الصحابة ، وكذا ( الاجتهاد في الأصول والفروع ) عند القوم ، وبه يوجّهون المخالفات الصريحة من الصّحابة ... فما الذي رجّح أبا بكر وعمر وعثمان على غيرهم من الصّحابة فكانوا خلفاء لرسول الله صلّى الله عليه وآله

    الصفحة 162
    وسلّم دونهم ؟!
    بل في الصّحابة من هو خير منهم في ما عدا الصفات الثلاثة الأولى ، ولذا وقع الاختلاف بين القوم في اشتراط ما عداها !!
    ثمّ إنّ الواجدين لهذه الصفات كلّها في قريش جمع غفير ... فما الذي ميّز الثلاثة عن غيرهم ؟!على أنّ اعتبار القرشيّة ينافي مذهب عمر بن الخطّاب ... فإنّه تمنّى حياة بعض الموالي ليجعل فيه الخلافة من بعده ! فقد قال : ( لو كان سالم حيّاً ما جعلتها شورى ) يعنى : سالم بن معقل مولى أبي حذيفة وكان من أهل فارس من اصطخر ، وقيل : إنّه من عجم الفرس من كرمد ، ذكر ذلك ابن عبد البرّ ، وقال : كان من فضلاء الموالي ، ثمّ حمل كلام عمر على أنّه كان يصدر فيها عن رأيه (1) .
    ولا يخفى بعده عن الكلام كلّ البعد ، وقد رووا كلامه بلفظ : ( لو كان سالم حيّاً ما تخالجني فيه شكّ ) وعنه ( لو استخلفت سالماً مولى أبي حذيفة فسألني عنه ربّي ما حملك على ذلك لقلت ربّي سمعت نبيّك صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يقول : إنّه يحبّ الله تعالى حقاً من قلبه ) (2) .
    بل رووا عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما ينافي اعتبار القرشية بصراحة ، فقد أخرج أحمد بسنده عن عائشة ، قالت : ( ما بعث رسول الله زيد بن حارثة في جيش قط إلاّ أمّره عليهم ولو بقى بعده استخلفه ) (3) .
    والواقع أنّهم يسعون في تقليل شرائط الإمامة وتهوينها كي يتمكّنوا من إثبات إمامة أبي بكر وعمر وعثمان ... وإلاً فقد عرفت أنّ ( الإمامة ) إنّما هي ( خلافة عن النبيّ ) ... فيعتبر في الإمام أن يكون كالنّبي ، أي : إنّ الله ما نصّب للإمامة أحداً إلاّ كان واجداً لصفات من نصّبه نبياً ، بأن كان أفضل الناس
    ـــــــــــــــــــ
    (1) الاستيعاب 2 / 567 .
    (2) حلية الأولياء 1 / 177 .
    (3) المسند 6 / 226 .

    الصفحة 163
    وأعلمهم ، معصوماً من الخطأ والنسيان مطلقاً ... فما كان للقاضي العضد من جواب عن هذا إلاّ أن قال : ( إنّا ندلّ على خلافة أبي بكر ولا يجب له شيء ممّا ذكر ) و ( إنّ أبا بكر لا تجب عصمته اتّفاقاً (1) .
    قال (246) :
    ( واشترط الشيّعة أن يكون هاشمياً بل علوياً ، وعالماً بكلّ أمر حتى المغيّبات ، قولاً بلا حجّة ، مع مخالفة الإجماع . وأن يكون أفضل أهل زمانه ، لأنّ تقديم المفضول قبيح عقلاً ، ونقل عن الأشعري ، تحصيلاً لغرض نصبه وقياساً على النبوّة . وردّ بالقدح في قاعدة القبح ، وأن يكون معصوماً ... ) .
    أقول :
    مذهب أصحابنا أنّ الصّفات المعتبرة في الإمام ، والتي لأجلها يكون النصب من الحكيم العلاّم ، لم تتوفّر إلاّ في أمير المؤمنين وأبنائه الأحد عشر عليهم الصلاة والسّلام ، فكانوا هو الأئمّة ، دون غيرهم من أفراد الأمّة ... فإن أراد من قوله : ( اشترطت الشيعة أن يكون هاشمياً بل علويّاً) هذا المعنى فهو صحيح .
    وأمّا كونه ( عالماً بكلّ أمرٍ حتى المغيّبات ) .
    فهو لازم مقام الإمامة التي هي النيابة عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والوراثة له في كلّ شيء إلاّ الوحي ، فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان عالماً بكلّ أمرٍ حتّى المغيّبات ، كما هو صريح القرآن الكريم في غير واحدة من الآيات .
    بل لقد ادّعى القوم العلم بالغيب لبعض الصحابة ، من ذلك ما رووه في صحاحهم في حذيفة بن اليمان أنّه : ( أعلمه رسول الله بما كان وما يكون إلى يوم القيامة (2)
    ـــــــــــــــــــ
    (1) المواقف في علم الكلام 8 / 350 .
    (2) مسند أحمد 5 / 386 ، صحيح مسلم ـ كتاب الفتن ، الإصابة 1 / 218 .

    الصفحة 164
    وبعد :
    فإنّ الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام كانوا كذلك ، وتلك خطب أمير المؤمنين عليه السلام الدالّة على إحاطة علمه موجودة في الكتب ، وقد أذعن بها القاضي العضد والشريف الجرجاني (1) ، وبذلك تعرف ما في قول السّعد : ( وهذه جهالة تفرّد بها بعضهم ) .
    وأمّا كونهم أفضل أهل زمانهم ... فسيذكر بعض الأدلّة على ذلك ، وتقديم المفضول قبيح عندنا وعند الأشعري وأتباعه ، بل جاء في الكتاب 290 : ( ذهب معظم أهل السنّة وكثير من الفرقّ إلى أنه يتعيّن للإمامة أفضل أهل العصر ) .
    ومن هذه العبارة يظهر ما في نسبة صاحب المواقف وشارحها القول بجواز تقديم المفضول إلى الأكثرين (2) .
    ومنها : ومن قول ابن تيمية : ( تولية المفضول مع وجود الأفضل ظلم عظيم ) (3) ، يظهر أيضاً ما في ردّ بعضهم ( بالقدح في قاعدة القبح ) .
    هذا ، وإنّ عمدة الصّفات المستلزمة للأفضلية هي ( الأعلميّة ) و ( التقوى ) ، فقد قال الله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (4) وقال :( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (5) ، وكذا دلّت الأحاديث النّبوية ، ودلّ عليه العقل وقام الإجماع كما نصّ في الكتاب (301) ... وسيذكر بعض الأدلّة على أنّ عليّاً عليه السلام أعلم الأمّة وأتّقاها بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ...
    وعلى الجملة فإنّ الإمام منصوب من العليم الحكيم ، كما أنّ النبيّ مبعوث منه ، وكما يدلّ اختياره للنبوّة على الأفضلية قطعاً كما نصّ عليه في الكتاب 247
    ـــــــــــــــــــ
    (1) شرح المواقف 8 / 370 .
    (2) شرح المواقف 8 / 373 .
    (3) منهاج السنّة 3 / 277 .
    (4) سورة الحجرات : 13 .
    (5) سورة الزمر : 9 .

    الصفحة 165
    كذلك يدل اختياره للإمامة على الأفضلية ، ومن هنا أجاب في الكتاب عن وجوه القول بجواز تقديم المفضول بقوله 247 : بأنّها لا تصلح للاحتجاج على الشيعة ؛ ( فإنّ الإمام عندهم منصوب من قبل الحقّ لا من قبل الخلق ) .
    وأمّا العصمة ، فلا حاجة إلى إقامة الدليل على اشتراطها في الإمام ؛ بعد أن عرفت أنّ ( الإمامة ) إنّما هي ( خلافة عن النبيّ ) فيعتبر في الإمام كلّ ما يعتبر في ( النبّيّ ) إلاّ النبوّة ، ومنه العصمة ، وأنّه لمّا كانت العصمة أمراً خفيّاً لا يطّلع عليه أحد كان النصّ من الله تعالى هو الطّريق إلى معرفة الإمام وتعيينه ، بل كان على الخصم إقامة الدّليل على عدم وجوب العصمة ، فلذا جاء في الكتاب 249 :
    ( احتجّ أصحابنا على عدم وجوب العصمة بالإجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان ، مع الإجماع على أنّهم لم تجب عصمتهم ...وقد يحتج كثير بأنّ : العصمة ممّا لا سبيل للعباد إلى الإطّلاع عليه ، فإيجاب نصب إمامٍ معصوم يعود إلى تكليف ما ليس في الوسع ) .
    أقول :
    ولا يخفى سقوط الوجهين ، أمّا الأوّل : فالإجماع على إقامة القوم غير واقع . وأمّا الثاني : فلأنّه موقوف على أن يكون النصب بيد الخلق وهو باطل ... ولذا اضطر السّعد إلى أن يقول 249 :
    ( وفي انتهاض الوجهين على الشيعة نظر ) . ومع ذلك فقد استدل أصحابنا لاشتراط العصمة بوجوهٍ من الكتاب والسنّة والعقل ... وقد ذكر بعضها :
    قال (249) :
    ( احتجّوا بوجوه : الأوّل : القياس على النبّوة ... وردّ بأنّ النبيّ مبعوث من الله ، مقرون دعواه بالمعجزات الباهرة الدالة على عصمته ... ولا كذلك الإمام فإنّ نصبه مفوّض إلى العباد الذين لا سيبل لهم إلى معرفة عصمته ... .
    أقول :



    الصفحة 166
    ليس أمر الإمامة مقيساً على النبوّة ، بل هي من توابع النبوّة وشئونها كما عرفت ، وكما أنّ النبيّ مبعوث مّن الله فكذلك الإمام منصوب منه . وكما أنّ دعوى النّبي مقرونة بالمعجزات ، فكذلك الإمام تظهر المعجزة على يده متى اقتضت المصلحة ، ولذا كان ظهور المعجزة على يده قائماً مقام النص ، كما نص عليه علماؤنا (1) ... والعجب من السّعد كيف يقول : ( فإنّ نصبه مفوّض إلى العباد الذين لا سبيل لهم إلى معرفة عصمته ) ؛ فانّه ليس إلاّ مصادرة ، مع أنّه يناقض كلامه السابق حيث اعترض على الاحتجاج بجواز تقديم المفضول بأنّ ( الأفضليّة أمر خفي ) ، قائلاً : بأنّ ( هذا وأمثاله لا يصلح للاحتجاج على الشيعة ، فإنّ الامام عندهم منصوب من قبل الحقّ لا من قبل الخلق ) !!
    قال : (250) :
    ( الثّاني : أنّ الإمام واجب الطاعة . قال الله : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (2) ... والجواب : أنّ وجوب طاعته إنّما هو فيما لا يخالف الشّرع ... ) .
    أقول : إنّ الأمر المطلق بالإطاعة المطلقة دليل العصمة ، لا سيّما في هذه الآية حيث عطف ( أولي الأمر ) على ( الرّسول ) ، ولذا اعترف إمامهم الفخر الرازي بدلالة الآية على العصمة (3) ، وأمّا حمله ( أولي الأمر ) على غير ( الإمام ) فيردّه عدم إنكار السّعد الاستدلال من هذه الناحية .
    قال : (250) :
    ( الثالث : أنّ غير المعصوم ظالم ... والجواب ... ) .
    ـــــــــــــــــــ
    (1) تلخيص الشافي 1 / 274 ، الباب الحادي عشر : 48 .
    (2) سورة النساء : 59 .
    (3) تفسير الفخر الرازي 10 / 144 .

    الصفحة 167
    أقول :
    قال تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1) .
    وإذا عرفنا ( الظالم ) و ( العهد ) ظهر وجه الاستدلال ، فأمّا ( الظالم ) فهو عند أهل اللغة وكثير من العلماء : واضع الشيء في غير موضعه (2) وغيره المعصوم كذلك كما هو واضح . وأمّا ( العهد ) فالمراد منه ـ كما ذكر المفسّرون ـ (3) هو ( الإمامة ) . فمعنى الآية : أنّ غير المعصوم لا تناله الإمامة . هذا وجه الاستدلال ، ولا يخفى الاضطراب في كلمات السّعد لدى الجواب .
    قال ( 251) :
    الرّابع : إنّ الأمّة إنّما يحتاجون إلى الإمام لجواز الخطأ عليهم في العلم والعمل ، ولذلك يكون الإمام لطفاً لهم ... والجواب : إنّ وجوب الإمام شرعي ، بمعنى أنّه أوجب علينا نصبه ... )
    أقول : وفيه ، أنّه مصادرة ... وهذا أيضاً منه تناقض ظاهر .
    قال (251) :
    ( الخامس : أنّه حافظ للشّريعة ، فلو جاز الخطأ عليه لكان ناقضاً لها ... والجواب : أنّه ليس حافظاً لها بذاته ، بل بالكتاب والسنّة وإجماع الأمّة واجتهاده الصحيح ، فإن أخطأ في اجتهاده أو ارتكب معصية فالمجتهدون يردّون
    ـــــــــــــــــ
    (1) سورة البقرة : 118 .
    (2) قاله الراغب في المفردات 315 .
    (3) الرازي 3 / 40 ، البيضاوي 26 ، أبو السعود العمادي 1 / 156 .

    الصفحة 168
    والآمرون بالمعروف يصدّون ... ) .
    أقول :
    إنّه حافظ للشريعة ـ أي ما في الكتاب والسنّة ـ بذاته ، بأن يعلّمها المؤمنين بها ، ويدعو الآخرين إليها ، وينفي تحريفات المبطلين عنها ... كما أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كذلك . وأمّا الكتاب والسنّة فلا يحفظان الشّريعة ؛ لأنّهما محتاجان إلى الإمام المبيّن لهما .
    ثمّ إنّ الإمام ليس مجتهداً ، بل شأنه شأن النبيّ ووظيفته وظيفته كما ذكرنا ، فلا يجوز عليه الخطأ ألبتة ، فضلاً عن المعصية ... حتى يردّه المجتهدون ويصدّه الآمرون بالمعروف .
    ثمّ من أين يؤمن المجتهدون والآمرون عن الخطأ والمعصية ؟! ومن يكون الرّاد والصادّ لهم عن ذلك ؟! وإن كانوا لا يخطأون ولا يعصون كانوا هم الأئمّة ووجب على الإمام إطاعتهم !
    قال (252) : السادس : أنّه لو أقدم على المعصية فإمّا أن يجب الإنكار عليه ، وهو مضاد لوجوب إطاعته ... والجواب : أنّ وجوب الطاعة إنّما هو فيما لا يخالف الشّرع ... ) .
    أقول : ومن المشخّص للمخالف للشّرع عن غير المخالف ؟! إن كان غير معصوم فهو كالأوّل ، وإن كان معصوماً فهو الإمام.
    قال (252) : السّابع : أنّه لابدّ للشرّيعة من ناقل ، ولا يوجد في كلّ حكمٍ حكم أهلُ التواتر معنعناً إلى انقراض العصر ، فلم يبق إلاّ أن يكون إماماً معصوماً عن الخطأ . والجواب : أنّ الظنّ كافٍ في البعض ... وأمّا القطعي فإلى أهل التواتر أو جميع الأمّة ، وهم أهل عصمة عن الخطأ ، فلا حاجة إلى معصوم بالمعنى الذي

    الصفحة 169
    قُصد . ثمّ ـ وليت شعري ـ بأيّ طريق نقلت الشّريعة إلى الشيعة من الإمام الذي لا يوجد منه إلاّ الاسم ) .
    أقول :
    لو سلّمنا كفاية الظن في البعض ، فالرجوع في القطعي إلى أهل التواتر مع احتمال السّهو عليهم لا يفيد ، سلّمنا أنّه لا يجوز عليهم السّهو فما المانع من عدولهم من النقل تعمّداً لبعض الأغراض والدواعي ؟! وكذا الكلام في الرجوع إلى جميع الأمّة ، ودعوى عصمتهم عن الخطأ ممنوعة ، لانّ ما جاز على آحاد الأمة جائز على جميعها .
    وأمّا الشّريعة فقد انتقلت إلى الشّيعة عن الأئمّة السابقين على الغائب عليه السّلام ، وهو حيّ موجود ينتفع به كالانتفاع بالشمس خلف السحاب .
    هذا ، واعلم أنّ جميع هذه الشبهات التي طرحها السّعد حول هذه الأدلّة إنّما هي مأخوذة من كتاب ( المغني في الإمامة ) للقاضي عبد الجبّار بن أحمد المعتزلي ، فالقوم في الردّ على الشّيعة عيال على المعتزلة ، لكنّ أصحابنا أجابوا عنها بأجوبة كافية شافية ، كما لا يخفى على من راجع ( الشافي ) و ( تلخيصه ) وغيرهما .
    ثمّ إنّه يدل على اعتبار العصمة في الإمام من السنّة أحاديث ، منها : حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين ، وحديث : ( عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض ) (1) ؛ فإنّه يفيد ثلاثة أمور :
    أحدها : معنى العصمة وهو عدم التخطّي عن القرآن .
    والثاني : اشتراط هذا المعنى في الإمام .
    والثالث : وجوده في عليّ عليه السلام .
    قال (252) :
    ( وأمّا اشتراط المعجزة والعلم بالمغيّبات ... فمن الخرافات ) .
    أقول :
    ـــــــــــــــــ
    (1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 124 والذهبي في تلخيصه ، وصحّحاه .

    الصفحة 170
    دعوى أنّ ذلك كله خرافات لا دليل عليها ، والأصل في إنكار ظهور المعجزة على يد الإمام هو القاضي عبد الجبّار المعتزلي أيضاً ، وقد أجاب عنه الشريف المرتضى الموسوي في كتاب ( الشّافي ) فليت السّعد لاحظ كلامه ...
    وممّا قال رحمه الله : ( أنّ المعجزة هو الدالّ على صدق من يظهر على يده فيما يدّعيه ، أو يكون كالمدّعي له ؛ لأنّه يقع موقع التصديق ، ويجري مجرى قول الله تعالى له : صدقت فيما تدّعيه عليّ . وإذا كان هذا هو حكم المعجز لم يمتنع أن يظهره الله تعالى على يد مَن يدّعي الإمامة ؛ ليدّل به على عصمته ووجوب طاعته والانقياد له ، كما لا يَمتنع على يد من يدّعي نبوّته ... ) (1) .
    وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي : ( فصل : في إيجاب النصّ على الإمام أو ما يقوم مقامه من المعجز الدال على إمامته ) (2) .
    وقال العلاّمة الحلّي : ( الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه ؛ لأنّ العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، فلابدّ من نصّ من يَعلم عصمته عليه ، أو ظهور معجزة على يده تدلّ على صدقه ) (3) .
    وأمّا إحاطة علمه فلم ينكره القاضي العضد والشريف الجرجاني .
    وأمّا علمه باللّغات وغير ذلك ، فلا دليل على منعه ، بل الدليل على ثبوته كما هو الحال في النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم