Rss Feed

  1. شروط الإمامة :
    قوله (349) :
    ــــــــــــــــــ
    (1) تلخيص الشافي 1 / 133 ، شرح التجريد : 285 .
    (2) سورة القصص : 68 .
    (3) السيرة النبوية لابن هشام 2 / 66 ، السيرة الحلبية 2 / 154 .

    الصفحة 49

    ( الجمهور على أنّ أهل الإمامة ومستحقّها من هو مجتهد في الأصول والفروع ... ) .
    لم يتعرّض في هذه الشروط التي نسبها إلى ( الجمهور ) لمذهب أصحابنا ، فنقول : إنّ مذهب أصحابنا أنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوّة ، وطريق تعيين الإمام هو النصّ أو ما يقوم مقامه لا غير ، فكلّ ما يعتبر في النبوّة معتبر في الإمامة ، وكلّما ليس بمعتبر في النبوّة فليس معتبراً في الإمامة ، وكما أنّ النبيّ ليس بمجتهد ، بل هو مبلّغ لما أمره الله تعالى بإبلاغه بالوحي كذلك الإمام فهو مبلّغ لما أخذه وتعلّمه من النبي ...
    قوله (350 ـ 351) :
    وهاهنا صفات أخرى في اشتراطها خلاف :
    الأولى : أن يكون قرشياً ...
    الثانية : أن يكون هاشمياً ، شَرَطه الشيعة .
    الثالثة : أن يكون عالماً بجميع مسائل الدين ، وقد شَرَطه الإمامية .
    الرابعة : ظهور المعجزة على يده ، إذ به يعلم صدقه في دعوى الإمامة والعصمة ، وبه قال الغلاة .
    ويبطل هذه الثلاثة : أنّا ندلّ على خلافة أبي بكر ، ولا يجب له شيء ممّا ذكر .
    الخامسة : أن يكون معصوماً ، شرطها الإمامية والإسماعيلية . ويبطله : أنّ أبا بكر لا عصمة له اتفاقاً ) .
    أقول :
    أمّا الأوّل ـ وهي أن يكون قرشياً ـ فلم يتعرّض لرأي أصحابنا فيها مع أنّهم قائلون باشتراطها ، وحديث ( الأئمّة من قريش ) لم يثبت عندنا استدلال الصحابة به ، بل الثابت عن عمر القول بخلافه .
    وأمّا دليل القول الآخر : وهو ما رَووه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله سلّم أنّه

    الصفحة 50
    قال : ( وعليكم بالسمع والطاعة ولو عَبداً حبشياً ) فحديثٌ باطلٌ مختلقٌ ، لكن القوم قائلون بصحته ، ولذا حمل في الكتاب وغيره على بعض الوجوه * .
    وأمّا الثلاثة التي بعدها فقد أبطلها بدليله على خلافة أبي بكر وكونه إماماً ، مع أنّه لم يكن هاشمياً ، ولم يكن عالماً بمسائل الدين ، ولم تظهر على يده معجزة ولا كرامة ، وفي هذا الكلام ـ مع الاعتراف بجهل أبي بكر بمسائل الّدين ، وهو الواقع كما لا يخفى على من له إلمام بالأخبار والسّير والتواريخ ، والاعتراف بعدم ظهور شيء ممّا يقتضي أن يكون له كرامة عنه الله على يديه ـ دلالة على أنّه إذا بطل دليل خلافته ثبت اعتبار تلك الصفات .
    هذا ، ولا يخفى أنّه قد نسب الثانية والثالثة إلى ( الشيعة ) ونسب الرابعة إلى ( الغلاة ) ولسنا ندري من يعني من (الغلاة) ؟ ولماذا هذا التفريق ؟ مع أنّ الرابعة منصوص عليها في كتب أصحابنا في طريق تعيين الإمام ، قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : ( فصلٌ : في إيجاب النصّ على الإمام أو ما يقوم مقامه من المعجز الدالّ على إمامته ) (1) .
    وقال العلاّمة الحلّي : ( الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه ؛ لأنّ العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، فلا بدّ من نصّ من يعلم عصمته عليه أو ظهور معجزة على يده تدلّ على صدقه ) (2) .
    لكن العمدة في الصفات المعتبرة ـ كما اعترف في الكتاب : 352 ـ العصمة
    ــــــــــــــ
    * وقد أخرج هذا الحديث في بعض الصّحاح عن العرباض بن سارية عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في وصيّة له وموعظة للمسلمين فيها الأمر باتّباع سنّته وسنّة الخلفاء الراشدين من بعده ، وإطاعة من تولّى أمورهم ولو كان عبداً حبشيّاً ، وهو حديث باطل ساقط بجميع طرقه ، فراجع رسالتنا الخاصّة به ، وهي مطبوعة في مجلة ( تراثنا ) العدد : 26 .
    (1) تلخيص الشافي 1 / 275 .
    (2) الباب الحادي عشر بشرح المقداد : 48 .

    الصفحة 51
    والأعلميّة  ، وقد نصّ على عدمهما في أبي بكر  ، أمّا اعتبار العصمة فقد تعرّض لبعض حُجج أصحابنا عليه كما ستعرف ، وأمّا اعتبار الأعلمية فسكت عن ذكر وجهه .
    قوله (351) :
    احتجّوا على اشتراط العصمة بوجهين : الأوّل : أنّ الحاجة إلى الإمام إمّا للتعليم ... ، الجواب : منع كون الحاجة إليه لأحدهما ، بل لما تقدّم من دفع الضرر المظنون .
    الثاني من الوجهين قوله تعالى : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) في جواب إبراهيم عليه السلام حين طلب الإمامة لذرّيته ، وغير المعصوم ظالم فلا ينال عهد الإمامة . الجواب : لا نسلم أنّ الظالم من ليس بمعصوم ، بل من ارتكب معصيةً مسقطةً للعدالة مع عدم التوبة والإصلاح ) .
    أقول :
    ليس احتجاج أصحابنا على اشتراط العصمة منحصراً بالوجهين المذكورين ؛ فلقد احتجوا بوجوه من العقل والكتاب والسنّة :
    أمّا من العقل فقد عرفت أنّ ( الإمامة ) خلافة النبّي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنّه يعتبر في ( الإمام ) كل ما يعتبر في ( النبيّ ) إلاّ الوحي  ، و ( العصمة ) معتبرة في النبّي بالاتفاق فهي معتبرة في الإمام كذلك .
    وأيضاً : قد عرفت أنّ الغرض من نصب الإمام حفظ الشريعة وإقامة الدين وردع الظالم عن ظلمه والانتصاف للمظلوم منه ، فلو جاز أن يكون غير معصومٍ يجوز منه الخطأ والغلط والسهو والنسيان ، لكان ذلك نقضاً للغرض من نصبه .
    وأيضاً : لو صدرت من الإمام معصية ، فإن أطيع كانت إطاعته معصيةً لله ، وإن أُنكر عليه وقعت الفتنة والضرر العظيم ، وهذا نقض للغرض من نصبه .
    وما ذكره من : أنّ الحاجة إلى الإمام ليس لما تقدّم ، بل لدفع الضرّر المظنون .

    الصفحة 52
    فيه : أنّه إنّما يدفع الضرر المظنون به إذا كان معصوماً ، والعصمة لا يعلمها إلاّ الله ، ولذا قلنا بوجوب نصب الإمام على الله ، ووجوب النصّ عليه منه ، وأمّا تفويض النصب إلى الخلق فإنّه يوجب الاختلاف ويؤدّي إلى الضرّر المطلوب زواله .
    وأمّا الكتاب فقد قال تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1) .
    أمّا ( الظالم ) فهو ( عند أهل اللغة وكثير من العلماء : واضع الشيء في غير موضعه ) (2) . وغير المعصوم كذلك كما هو واضح ، وأمّا ( العهد ) فالمراد منه ـ كما ذكر المفسّرون (3) ـ هو ( الإمامة ) ، فمعنى الآية : أنّ غير المعصوم لا يناله الإمامة .
    فأين الجواب الذي ذكره عن هذا الاستدلال ؟!
    وأمّا السنّة فأحاديث كثيرة :
    منها : حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين ، فإنّه نصّ في وجوب متابعة الأئمّة من عِترة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته ؛ لكونهم معصومين ، فهو يدلّ على وجوب عصمة الإمام ، وهذا هو الحديث كما أخرجه مسلم بسنده عن زيد بن أرقم قال :
    ( قام رسول الله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خّماً بين مكّة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ، ثمّ قال : أمّا بعد ، ألا ـ يا أيّها الناس ـ فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، أوّلهما : كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثمّ قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ! أذكّركم الله في أهل بيتي ! أذكّركم الله في أهل بيتي ... (4) .
    ــــــــــــــــ
    (1) سورة البقرة : 124 .
    (2) قاله الراغب في المفردات : 315 .
    (3) الرازي 3 / 40 ، البيضاوي : 26 ، أبو السعود 1 / 156 .
    (4) صحيح مسلم 7 / 122 ، باب فضل عليّ . وهذا الحديث تجده في سائر المسانيد والسنن وجوامع =

    الصفحة 53
    ومنها : قوله : صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض) (1) فإنّه يفيد ثلاثة أمور :
    أحدها : معنى العصمة ، وهو عدم التخطّي عن القرآن .
    والثاني : اشتراط هذا المعنى في الإمام .
    والثالث : وجوده في عليّ عليه السلام .
    ومنها : قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ ، يدور معه حيثما دار ) (2) فإنّه كسابقه في إفادة الأمور المذكور