قال (232) : ( ثمّ على أنّ نصب الإمام واجب ، وإنّما الخلاف في أنّه هل يجب على الله تعالى أو على الخلق ... ) .
أقول :
لا خلاف ولا إشكال في وجوب الإمامة بعد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، ولا عبرة بقول شاذٍ عن بعض الخوارج ، ومذهب أصحابنا : إنّ نصبه إلى
ـــــــــــــــــــ
(1) فتح الباري في شرح البخاري . عن فيض القدير 3/509 .
(2) البيهقي في المدخل . عنه فيض القدير 3/509 .
الصفحة 301
الله لا إلى غيره ، وأنّه يجب عليه ذلك ... وقد ذكرنا بعض الدليل على هذا القول في (الطرائف) و(المراصد) فراجع ، وخالف الجمهور فقالوا بأنّه من وظائف الخَلْق ، وقد استدلّ له في الكتاب بوجوه :
أحدها : الحديث : مَن مات ... .
والثاني : تقديم الصحابة تعيين الخليفة على دفن جنازة النبيّ .
والثالث : لأنّ كثيراً من الواجبات الشرعيّة يتوقّف عليه ، كما أشار إليه الماتن بقوله (232) : ( والمسلمون لابدّ لهم من إمام ...) . لكنّك خبير :
بأنّ الحديث المذكور المتّفق عليه بين الفريقين إنّما يدلّ على وجوب نصب الإمام ووجوده في كلّ زمان ، وأمّا أنّ نصبه على مَن ؟ فلا دلالة فيه على ذلك . هذا أولاً . وثانياً : فإنّ هذا الحديث دليل على ما يذهب إليه أصحابنا من كون الإمامة من أصول الدين ، فهو من أدلّة وجوب نصبه على الله .
وبأنّ الأمّة لم تقدّم نصب الإمام على دفن رسول الله ، وإنّما اجتمع في السقيفة ثلاثة فقط من المهاجرين مع جمع من الأنصار ، ولم يكن عملهم ذلك من باب كونه ( أهم المهمّات ) بل كان نزاعاً على الرئاسة ، كما عرفت إجمال الحال ... وأمّا عليّ عليه السلام والهاشميّون وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وعثمان و كبار الصحابة الآخرون ، فلم يقدّموا شيئاً على تجهيز رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ...
وبأنّه لا ريب في أنّ ( الواجبات الشرعيّة يتوقّف عليه ) ولكنّ نصبه بيد مَن ؟ فهذا أوّل الكلام .
وقد وجدنا رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في أشقّ الأحوال وأصعب الأيّام يصرّح بأنّ هذا الأمر ( بيد الله ) ، وذلك لمّا عرض نفسه على القبائل في أوائل البعثة ، فطلب بعضهم أن يكون لهم الأمر من بعده ، فأجاب قائلاً : ( الأمر بيد الله يضعه حيث يشاء ) (1) .
ــــــــــــــــــــ
(1) سيرة ابن هشام 2/66 ، السيرة الحلبيّة 2/154 ، وقد ذكرنا نصّ الخبر في ( الطرائف ) و ( المراصد ) .
(1) سيرة ابن هشام 2/66 ، السيرة الحلبيّة 2/154 ، وقد ذكرنا نصّ الخبر في ( الطرائف ) و ( المراصد ) .