قال (280) :
( ومنها : إنّه لم يكن عارفاً بالأحكام حتى قطع يد سارق من الكوع لا يمينه ، وقال لجدةٍ سألته عن ارثها ... ولم يعرف الكلالة ... ) .
أقول :
هذه من موارد جهل أبي بكر بأوضح الأحكام الشرعيّة والألفاظ القرآنية .
الصفحة 227
وسيأتي كلام الغزالي الذي أورده السّعد في أنّ الفضل للعلم والتقوى ...
وهو لم يجب عن هذه الموارد إلاّ أن قال :
( والجواب ـ بعد التسليم ـ أنّ هذا لا يقدح في الاجتهاد ، فكم مثله للمجتهدين ) .
أمّا قوله ( بعد التسليم ) فلم نفهم وجهه ؟ إن كان يشكّك في ثبوتها فلماذا لم يصرّح ولم يبيّن ؟ إنّه لا حاجة إلى إيراد أخبار تلك الموارد بعد إذعان الكلّ بها حتّى شيخه العضد ، فإنّه بعد أن ذكر قضية إحراق الفجائة ، وقطع يسار السارق ، والجهل بميراث الجدّة ... (1) لم يناقش في ثبوتها ...
وأمّا قوله ( إنّ هذا لا يقدح في الاجتهاد فكم مثله للمجتهدين ) . ففيه : أيّ اجتهاد هذا ؟ إن قلنا : كيف طرح نصّ الكتاب بخبر واحد مفروض اختص به ؟ قالوا : اجتهد . وإن قلنا : كيف خالف الشرع في قطع يد السارق ؟ قالوا : اجتهد وإن قلنا : كيف يكون إماماً وهو يجهل حكم الإرث ومعنى لفظ الأَبّ ؟ قالوا : إنّه مجتهد ، والجهل لا يقدح في الاجتهاد ، فكم مثله للمجتهدين ؟
ولو سلّم أنّ ( الجهل ) غير قادح ، فهلاّ توقف عن الحكم في قطع يد السّارق ـ كما توقّف عن الجواب عن الإرث حتى وجد الحكم عند المغيرة بن شعبة اللّعين ، وعن معنى الأَب ـ فلم يقطع حتى يسأل ؟ وهل الاجتهاد عذر ؟ لو كان عذراً ، فلماذا أوقع الذنب على الجلاّد ؟ أو وجّهوا الحكم بـ ( لعلّه ... ولعلّه ... ) كما لا يخفى على من راجع ( المواقف ) و ( الصواعق ) ؟ حتى اضطرّ بعضهم في ( حواشيه على شرح العقائد النسفيّة ) إلى أن يقول : ( قد قطع يسار السارق وهو خلاف الشرع ، والظاهر أنّ القضاء بغير علم ذنب ، وما كان هو معصوماً ) !
لكنّ عليّاً عليه السّلام ما خالف الكتاب والسنة في مورد ، وما جهل بحكم ولا لفظ ، بل ادّعى الأعلميّة ـ وهو الصادق المصدّق ـ واعترف له بذلك كبار
ــــــــــــــــــ
(1) شرح المواقف 8 / 357 .
ــــــــــــــــــ
(1) شرح المواقف 8 / 357 .
الصفحة 228
الصحابة ، ورجوعهم إليه في المعضلات والمشكلات ، واعترافهم أمامه بالجهل ... مشهور ... فيكون هو الإمام دون غيره ... وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( من استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلم أنّ فيهم أولى بذلك منه وأعلم بكتاب الله وسنّة نبيّه فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين ) (1) .