Rss Feed

  1. أقول : إنّه لم يذكر إلاّ قضية إبلاغ سورة براءة ، وقضية الصلاة ، ومعنى ذلك أنّه
    ـــــــــــــــ
    (1) فيض القدير 4 / 421 .
    (2) صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل فاطمة بنت النبيّ .
    (3) المستدرك 3 / 154 ، مسند أحمد 4 / 322 .
    (4) صحيح البخاري ، باب مناقب قرابة رسول الله .
    (5) مسند أحمد 4 / 332 ، المستدرك 3 / 158 .
    (6) صحيح مسلم ، باب فضائل فاطمة من فضائل الصحابة .

    الصفحة 69
    إذا تبيّن واقع الحال في القضيتين فهو مضطرّ إلى التسليم بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يولّه شيئاً .
    فنقول :
    أمّا قضيّة إبلاغ سورة براءة : فيقول القوم إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعث أبا بكر إلى مكّة أميراً للحاجّ ، وأمره أن يقرأ الآيات من سورة البراءة على المشركين في الموسم ، فلمّا خرج أبو بكر بدا لرسول الله في أمر تبليغ الآيات ، فبعث عليّاً لتبليغها ، وبقيت أمارة الحجّ لأبي بكر ، فيكون قد ولاّه صلّى الله عليه وآله وسلّم شيئاً من الأمور في حياته ...
    قالوا : وإنّما أتبع النبيّ علياً أبا بكر ليأخذ منه الآيات فيبلّغها ؛ لأنّ الآيات كانت مشتملة على نبذ العهود التي كان بينه صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين المشركين ، ومن عادة العرب في أخذ العهود ونبذها أن يتولاّه الرجل بنفسه أو أحد من بني عمّه .
    فكلامهم يشتمل على أمور ثلاثة :
    الأوّل : الإقرار بأنّ علياً عليه السلام هو الذي أبلغ الآيات بعد أن كان المأمور بتبليغها أبو بكر .
    والثاني : دعوى أنّ أبا بكر دخل مكّة وكانت إمارة الحاجّ في تلك السنَة معه .
    والثالث : السبب في تبليغ عليّ الآيات دون أبي بكر .
    فنقول :
    من الأفضل أن نذكر أوّلاً نصوصاً من الخبر عن عدّة من الكتب المعتبرة عند القوم حتى تتضح حقيقة الحال ، ويتبيّن أنّ أصحابنا لا يتكلّمون إلاّ استناداً إلى أخبارهم :
    1 ـ أخرج أحمد بإسناده عن أبي بكر : ( أنّ النبي بعثه ببراءة لأهل مكّة : لا يحجّ بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنّة إلاّ نفس مسلمة ، من كان بينه وبين رسول الله عهد فأجَله إلى مدّته ، والله بريء من المشركين

    الصفحة 70
    ورسوله . قال : فسار بها ثلاثاً ثمّ قال لعليّ : إلحقه فردً عليّ أبا بكر وبلّغها أنت . ففعل ، فلمّا قدم على النبيّ أبو بكر بكى ، قال : يا رسول الله حدث فيّ شيء ؟ قال : ما حدث فيك إلاّ خير ، ولكن أُمرت أن لا يبلّغه إلاّ أنا أو رجلٌ منّي ) (1) .
    2 ـ أخرج أحمد بإسناده ، عن عليّ عليه السلام ، قال : ( لمّا نزلت عشر آيات من سورة براءة على النبيّ ، دعا النبي أبا بكر فبعثه بها ، ثمّ دعاني النبيّ فقال لي : أدرك أبا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب به إلى مكّة فاقرأه عليهم ، فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ، ورجع أبو بكر إلى النبيّ ، فقال : يا رسول الله نزل فيّ شيء ؟ قال : لا ولكن جبرئيل جاءني فقال : لن يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجلٌ منك ) (2) .
    3 ـ أخرج أحمد بإسناده عن النبيّ : ( أنّ رسول الله بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكّة . قال : ثمّ دعاه فبعث بها عليّاً ) (3) .
    4 ـ أخرج الترمذي عن زيد بن يثبع ، قال : ( سألنا عليّاً بأيّ شيء بعثت في الحجّة ؟ قال : بعثت بأربع : أن لا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين النبيّ عهد فهو إلى مدّته ، ومن لم يكن له عهد فأجله إلى أربعة أشهر ، ولا يدخل الجنّة إلاّ نفس مؤمنة ، ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا (4) .
    5 ـ أخرج الحاكم بإسناده عن ابن عمر في حديث ، قال : ( إنّ رسول الله بعث أبا بكر وعمر ببراءة إلى أهل مكّة . فانطلقا فإذا هما براكب ، فقال : من هذا ؟ قال : أنا عليّ يا أبا بكر ، هات الكتاب الذي معك . فأخذ عليّ الكتاب فذهب به
    ـــــــــــــــ
    (1) مسند أحمد 2 /1 .
    (2) مسند أحمد 1 / 151 ، الخصائص : 20 ، المستدرك 2 / 51 ، تفسير ابن كثير 2 / 333 ، الدر المنثور 3 / 209 .
    (3) مسند أحمد 3 / 283 ، وكذا الحديث عن أنس عند الترمذي تفسير سورة التوبة ، الخصائص : 20 ، البداية والنهاية 5 / 38 ، إرشاد الساري 7 / 136 روح المعاني 3 / 268 .
    (4) صحيح الترمذي تفسير سورة التوبة .

    الصفحة 71
    ورجع أبو بكر وعمر إلى المدينة ، فقالا : ما لنا يا رسول الله ؟ قال : ما لكما إلاّ خير ، ولكن قيل لي : لا يبلّغ عنك إلاّ أنت أو رجل منك (1).
    فنقول :
    أمّا الإقرار ببعث أمير المؤمنين خلف أبي بكر وأخذه الآيات منه ، فلم يكن لهم مناص منه ...
    وأمّا الدعوى بأنّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أمّر أبا بكر على الحجيج ولم يعزله عمّا ولاّه فليس لها شاهد في الأحاديث المذكورة ونحوها ، بل كلّ ما هنالك أنّه بعثه ( ببراءة لأهل مكّة ) ثمّ بيّن البراءة في الحديث الأوّل ، بقوله : ( بعثه ببراءة لأهل مكّة : لا يحجّ ... ) . ويفيد الحديث الثاني أنّ هذه الأمور هي مفاد ( عشر آيات في سورة براءة ) ، وذلك ما أخذه منه عليّ عليه السلام وبلّغه ، كما هو مفاد الأحاديث الأوّل والثاني والرّابع ... فأين إمارة الحجّ ؟!
    ثمّ إنّ هذه الأحاديث وغيرها صريحة في أنّ علياً لحق أبا بكر ـ أو هو وعمر ـ في الطريق ، وردّ أبا بكر من حيث أدركه ، وفي بعضها أنّه لحقه ( بالجُحفة ... ورجع أبو بكر إلى المدينة ... ) فأين إمارة الحجّ ؟!
    إنه لم يكن في الواقع إلاّ : أنّه صلّى الله عليه و آله وسلّم بعث أبا بكر بإبلاغ أهل مكّة : ( أن لا يطوف بالبيت عريان ...) وهي مفاد الآيات من سورة البراءة ، ثمّ أمر علياً عليه السلام أن يدركه في بعض الطريق فيأخذ منه الكتاب ويبلّغه أهل مكّة بنفسه ويُرجع أبو بكر إلى المدينة ...
    أمّا أنّ السبب في ذلك ، فليس في الأحاديث إلاّ أنّ النبي صلّى الله عليه وآلو وسلّم نزل عليه جبرائيل فقال : ( لن يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك ) كما هو نصّ الحديث الثاني وغيره . فقولهم : ( لأنّ عادة العرب ... ) لا دليل عليه ، بل في الأحاديث قرائن عديدة على أنّ السبب ليس ما ذكروه ، ومنها :
    ــــــــــــــ
    (1) المستدرك 3 / 51 .

    الصفحة 72
    أوّلاً : أنّه لو كان عادة العرب في ذلك ما ذكر فلماذا خالفها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بإرسال أبي بكر ؟! أكان جاهلاً بتلك العادة أم كان عالماً بها فخالفها عمداً تساهلاً بتنفيذ حكم الله عزّ وجلّ ؟!
    وثانياً : لو كان السبب ذلك ، فلماذا جاء أبو بكر يبكي مخافة أن يكون قد نزل فيه شيء ؟! أكان جاهلاً بتلك العادة أم ماذا ؟!
    فتلخّص : أنّه لم يكن بعث أبي بكر لإمارة الحجّ ، وإنّما لإبلاغ البراءة ، والنبيّ أرسل علياً عليه السلام خلفه بأمر من الله ، ليأخذ ذلك منه ، فيكون قائماً مقام النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في أداء تلك الوظيفة ... فيظهر أنّه الصالح لذلك ...
    ولذا كانت هذا القضية خصيصة من خصائصه الدالّة على إمامته وخلافته ، وعن بعض أكابر الصحابة أنّهم كانوا يتمنّون أن تكون لهم هذه المنقبة العظيمة والخصيصة الرفيعة ، فهذا سعد بن أبي وقّاص ... قال الحارث بن مالك :
     ( خرجت إلى مكّة فلقيت سعد بن مالك فقلت له : هل سمعت لعليّ منقبة ؟ قال : شهدت له أربعاً لئن يكون لي إحداهنّ أحبّ إلي من الدنيا ، أعمّر فيها ما عمّر نوح : أنّ رسول الله بعث أبا بكر ببراءة من مشركي قريش فسار بها يوماً وليلة ثمّ قال لعليّ : الحقْ أبا بكر فخذها منه فبلّغها ، وردّ عليّ أبا بكر ، فرجع أبو بكر فقال : يا رسول الله هل نزل فيّ شيء ؟ ... ) (1) .
    ويظهر أيضاً : أنّ أبا بكر غير صالح للقيام مقام النبيّ في ذلك ، ومن لم يصلح للقيام مقامه لأداء آيات كيف يصلح للقيام مقامه في الرياسة العامة الإلهية ؟!!
    ــــــــــــــ
    (1) كنز العمّال : 2 / 417 .

    الصفحة 73