Rss Feed

  1. قوله (366) : ( الأوّل : قوله تعالى : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ) قال أكثر المفسّرين واعتمد عليه العلماء : إنّما نزلت في أبي بكر ... ) .
    أقول :الاستدلال بهذه الآية كذلك مذكور في بعض كتب المتقدّمين ، وقد أصرّ عليه في تفسير الرازي ، لكنّه موقوف على نزول الآية في شأن أبي بكر .
    قوله : ( قال أكثر المفسّرين ) دالّ على عدم الاتفاق عليه فيما بينهم . هذا أوّلاً .
    وثانياً : أنّه ليس هذا القول إلاّ لآل الزبير ، وانحرافهم عن أمير المؤمنين عليه السلام معروفٌ . مضافاً إلى أنّ سند الخبر غير معتبر ، قال الحافظ الهيثمي : ( وعن عبد الله بن

    الصفحة 120
    الزبير قال : نزلت في أبي بكر الصدّيق : ( وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) . رواه الطبراني ، وفيه : مصعب بن ثابت ، وفيه ضعف ) (1) .
    ومنهم من حمل الآية على العموم ، ومنهم من قال بنزولها في قصّة أبي الدحداح وصاحب النخلة (2) .
    وثالثاً : لو سلّم أنّه قول أكثر المفسّرين من أهل السنّة فإنّه ليس بحجةٍ علينا .
    ورابعاً : أنّه منقوض بأنّ الأكرم عند الله هو أمير المؤمنين عليّ عليه السلام لما فيه من العصمة وعدم السجود للصنم ، وأنّه أوّل من أنفق ماله في سبيل الله ، فنزلت فيه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ) وسورة هل أتى وغير ذلك من الآيات .
    وقوله بأنّ : ( ( وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى ) ، يصرفه عن الحمل على عليٍّ ؛ إذ عنده التربية ، فإنّ النبي ربّى علياً وهي نعمة تجزى ) .
    فيه : أنّه خلط في المعنى ، فإنّ الضمير في ( عِندَهُ ) يرجع إلى المنعم ، والمعنى : أنّ ( الأتقى ) موصوف بكونه ليس لأحدٍ من المنعمين عليهم عند المنعم يد النعمة ، يكون الإنعام منه من باب الجزاء . فعلي عليه السلام كان في تصدّقه بخاتمة على السائل في حال الركوع كذلك ، وكذلك في إطعام اليتيم والمسكين والأسير ، فلم تكن لهم عليه يد النعمة . أين هذا من المعنى الذي ذكر ؟
    قوله (366) : ( الثاني : قوله عليه السلام : اقتدوا باللذَين من بعدي ... ) .
    أقول :
    قد سبق أنّ هذا الحديث باطل سنداً ودلالةً ؛ كما نصّ عليه كبار علماء أهل السنّة
    ـــــــــــــــ
    (1) مجمع الزوائد 9 / 50 .
    (2) لاحظ : الدر المنثور 6 / 358 .


    قوله (366) : ( الثالث : قوله عليه السلام لأبي الدرداء : والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيّين والمرسلين على رجلٍ أفضل من أبي بكر ) .
    أقول :
    هذا الحديث ـ حتى لو كان صحيحاً عندهم ـ ليس بحجّةٍ علينا لكونه من طرقهم فقط ، فكيف ورواته كذّابون مدلّسون بشهادة كبار علمائهم ؟ وهذه عبارة واحدٍ منهم :
    قال الحافظ نور الدين الهيثمي المتوفّى سنة 807 : ( عن جابر بن عبد الله ، قال : رأى رسول الله أبا الدرداء يمشي بين يدي أبي بكر . فقال : يا أبا الدرداء تمشي قدّام رجل لم تطلع الشمس بعد النبيّين على رجلٍ أفضل منه ، فما رؤي أبو الدرداء بعد يمشي إلاّ خلف أبي بكر . رواه الطبراني في الأوسط . وفيه : إسماعيل ابن يحيى التيمي وهو كذّاب .
    وعن أبي الدرداء ، قال : رآني رسول الله وأنا أمشي أمام أبي بكر ، فقال : لا تمشِ أمام من هو خير منك ، إنّ أبا بكر خير من طلعت عليه الشمس أو غربت . رواه الطبراني . وفيه بقيّة وهو مدّلس ) (1) .
    قلت : ولو شئت لذكرت كلمات علماء القوم في ذمّ ( إسماعيل بن يحيى ) و ( بقية ) ولكن المقصود هو الاختصار .
    قوله (366) : ( الرابع : قوله عليه السلام لأبي بكر وعمر : هما سيّدا كهول أهل الجنّة ما خلا النبيّين والمرسلين ) .
    أقول :
    وهذا الحديث كسابقه ، وقد حقّقنا حاله في بحثٍ لنا منفرد * ، ونكتفي هنا
    ــــــــــــــــ
    (1) مجمع الزوائد 9 / 44 .
    * تجده في هذا الكتاب .  [ انظر : ( إلفات نظر ) في ص327 ]

    الصفحة 122
    بما قال الحافظ الهيثمي ؛ فإنّه من أئمّة صناعة الحديث والرجال عندهم :
    ( عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله لأبي بكر وعمر : هذان سيدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين . رواه البزّار والطبراني في الأوسط . وفيه : عليّ بن عبّاس وهو ضعيف ) .
    ( وعن ابن عمر عن النبيّ صلّى الله عليه و سلّم ، ... قال : أبو بكر وعمر سيدا كهول الجنّة من الأولين والآخرين إلاّ النبيين والمرسلين ... رواه البزّار وقال : لا نعلم . رواه عن عبيد الله بن عمر إلاّ عبد الرحمن بن ملك بن مغول ، قلت : وهو متروك ) (1) .
    قوله (366) : ( الخامس : قوله عليه السلام : ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدّم عليه غيره ) .
    أقول :
    لفظ هذا الحديث هو : ( لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمّهم غيره ) ، وهو حديث مكذوب موضوع على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، نصّ على ذلك غير واحدٍ من علمائهم الأعلام ، نذكر من ذلك عبارة الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي المتوفّى سنة 597 ، فإنّه أورده في الموضوعات ، فقال بعد أن رواه بسنده : ( هذا حديث موضوع على رسول الله ) (2) .
    فالعجب من هؤلاء ، كيف يستدلّون بالأحاديث الموضوعة الباطلة باعتراف علمائهم ، ويعارضون بها الأحاديث الصحيحة الثابتة باعتراف علمائهم كذلك ؟
    قوله (366) : ( السادس : تقديمه في الصّلاة مع أنّها أفضل العبادات وقوله : يأبى اللهــــــــــــــــ
    (1) مجمع الزوائد 9 / 53 .
    (2) كتاب الموضوعات 1 / 318 .

    الصفحة 123
    ورسوله إلاّ أبا بكر ، وفي معناه قوله : يأبي الله والمسلمون إلاّ أبا بكر ، وذلك أنّ بلالاً أذّن بالصلاة ... ) .
    أقول :
    أمّا حديث تقديمه للصلاة فقد عرفت حاله .
    وأمّا قوله : يأبي الله ورسوله إلاّ أبا بكر . فرواية عائشة وعبد الرحمن بن أبي بكر ... وهما ـ لا سيّما في مثل هذا الحديث ـ متّهمان .
    وأمّا الحديث الذي أورده الشارح ففيه ـ مضافاً إلى ما ذكرنا ـ أنّ أمارات الكذب لائحة عليه ، وذلك :
    أوّلاً : أنّه إذا كان النبيّ أمر عبد الله بن زمعة بأن يقول لأبي بكر يصلّي بالناس ، فلماذا قال لعمر ؟!
    وثانياً : أنّه إذ لم يجد أبا بكر فإنّ عمر بن الخطاب أيضاً كان مع أبي بكر في جيش أسامة كما نصّ عليه ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري (1) .
    وثالثاً : أنّ الأخبار في صلاة عمر متنافية ، ففي هذا الخبر أن ابن زمعة هو الذي قال لعمر ( صلِّ بالناس ) وفي آخر : أنّ القائل له هو أبو بكر نفسه ، فإنّه لمّا أبلغ أمر النبيّ قدّم عمر . وفي ثالث : أنّ النبي قال لابن زمعة : ( مر الناس فليصلّوا ، فلقي عمر بن الخطاب ، فقال له : يا عمر صلّ بالناس ... ) (2) ، ومن هنا وقع الاضطراب بين شرّاح الحديث واختلفوا في كيفية الجمع بين هذه الأخبار المتضاربة (3) .
    ورابعاً : أنّ الذي يهوّن الخطب كون راوي الخبر عن عبد الله بن زمعة هو ( محمّد بن شهاب الزهري ) المعروف المشهور بانحرافه عن عليّ علي السلام .
    قوله (367) : ( السابع : قوله عليه السلام : خير أمّتي أبو بكر ثمّ عمر ) .
    ــــــــــــــــ
    (1) فتح الباري 8 / 124 .
    (2) مسند أحمد 6 / 34 .
    (3) لاحظ فتح الباري 1 / 123 ، الكوكب الدرّاري 5 / 70 .

    الصفحة 124
    أقول :
    هذا الحديث له ذيل يدلّ على أفضليّة أمير المؤمنين عليه السلام ، رووه عن عائشة ، قالت : ( قلت : يا رسول الله مَن خير الناس بعدك ، قال : أبو بكر . قلت : ثمّ مَن ؟ قال : عمر . قالت فاطمة : يا رسول الله لم تقل في عليّ شيئاً ؟!
    قال : يا فاطمة ، عليّ نفسي ، فمن رأيتيه يقول في نفسه شيئاً!! ) .
    ولهذا فقد تكلّم في سنده بعضهم !! (1) ، لكنّ الماتن والشارح اسقطا ذيله ليتمّ لهما الاستدلال !!
    قوله (367) :
     ( الثامن : قوله عليه السلام : لو كنت متخذاً خليلاً دون ربّي لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً ، ولكن هو شريكي في ديني وصاحبي الذي أوجبت له صحبتي في الغار وخليفتي في أُمّتي ) .
    أقول :
    قد أجاب أصحابنا عن هذا الحديث سنداً ودلالةً فراجع (2) ، على أنّه في هذا الحديث يقول : ( لو كنت متّخذاً ... ) أمّا في حديث آخر جعل عثمان هو الخليل ، وهذا نصّه : ( إنّ لكلّ نبّي خليلاً من أمّته ، وإنّ خليلي عثمان بن عفّان ) لكنّه حديث باطل كذلك كما نصّ عليه غير واحد(3) .
    قوله (367) :
    التّاسع : قوله عليه السلام وقد ذُكر عنده أبو بكر : وأين مثل أبي بكر ؟! كذّبني الناس وصدّقني . وآمن بي ، وزوّجني ابنته ، وجهّزني بماله ، وواساني بنفسه ، وجاهد معي ساعة الخوف ) .
    ــــــــــــــــ
    (1) لاحظ تنزيه الشريعة 1 / 367 .
    (2) تلخيص الشافي 3 / 217 .
    (3) لاحظ : تنزيه الشريعة الغرّاء 1 / 392 .

    الصفحة 125
    أقول :
    هذا الحديث باطل حتى لو رووه بسندٍ معتبر ، لأنّ ظاهره أن أبا بكر أوّل من أسلم ، وقد ثبت أنّ أول من أسلم أمير المؤمنين عليّ عليه السلام والمنكر مكابر ، ولذا اضطر إلى الاعتراف بذلك كبار علماء القوم ، كما لا يخفى على من راجع أخبارهم وأقوالهم في ( الاستيعاب ) بترجمته عليه السلام ، وغيره من المصادر المعتبرة .
    ولأنّ ظاهره أنّ أبا بكر كان ينفق على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم ، وهذا كذبٌ ، ولذا اضطرّ مثل ابن تيميّة على تأويله ، فقال : ( إنّ إنفاق أبي بكر لم يكن نفقة على النبيّ في طعامه وكسوته ، فإنّ الله قد أغنى رسوله عن مال الخلق أجمعين ، بل كان معونةً له على إقامة الدين ، فكان إنفاقه فيما يحبّه الله ورسوله ، لا نفقةً على نفس الرسول ) (1)
    وحينئذٍ فلا فرق بين أبي بكر وسائر الصحاب الذين كانوا ينفقون أموالهم كذلك ، فأين الأفضلية ؟!
    هذا ، ولقد أورده الحافظ ابن عرّاق المتوفّى سنة 963 في الأحاديث الشنيعة الموضوعة (2) ، والسيوطي في الأحاديث الموضوعة (3) .
    قوله (367) :
    العاشر : قول عليّ رضي الله عنه : خير الناس بعد النّبيين أبو بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ الله أعلم . وقوله ـ إذ قيل له ما توصي ؟ ـ : ما أوصى رسول الله حتى أوصي ... ؟! )
    أقول :
    ولهذا الحديث نظائر موضوعة على لسانه عليه السلام !! أمّا هذا الحديث فآيات الكذب عليه لائحة وواضحة جداً ، عمدتها : ما جاء فيه من : أنّه مات بلا وصيّة كما أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مات بلا وصيّة ... فإنّ هذا كذب
    ــــــــــــــــ
    (1) منهاج السنة 4 / 289 .
    (2) تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة 1 / 344 .
    (3) اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1 / 295 .

    الصفحة 126
    في الطرفين ، أمّا النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فتلك وصاياه موجودة في الأحاديث المتّفق عليها كحديث الثقلين الذي أخرجه مسلم وكبار المحدّثين ، وأمّا عليّ علي السلام فقد أوصى إلى ولده الحسن السبط الأكبر عليه السلام ...
    هذا ، وأنت تجد الجواب عن هذا الحديث وأمثاله في كتب أصحابنا بالتفصيل (1) .
    وبعد هذا كلّه ، فإنّ الجواب الإجمالي المُغني عن التفصيل هو :
    1 ـ أنّ هذه الأحاديث باطلة سنداً ودلالةً .
    2 ـ أنّها لو تمّت فهم منفردون بها ، وليست حجّة علينا .
    3 ـ أنّها لو كانت عن رسول الله حقّاً ـ لا من موضوعات حكومة بني أميّة ـ فلماذا لم يحتجّ بها أبو بكر نفسه ولا غيره في السقيفة ، وغيرها من المواقف التي كانت بين الصحابة ؟!
    4 ـ أنّها لو كانت ثابتة فلماذا قول أبي بكر عند موته : ( وددت أنّي سألت رسول الله : لمن هذا الأمر من بعده ؟! ) وأمثال ذلك من كلماته كقوله : ( أقيلوني فلست بخيركم ) ؟!
    5 ـ أنّها لو كانت ثابتة عن رسول الله فلماذا قال قال جماعة كبيرة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بأفضلية عليّ عليه السلام ؟! (2) .