قوله (345) : ( نصب الإمام عندنا واجب علينا سمعاً ، وقالت الإمامية والإسماعيلية : لا يجب نصب الإمام علينا ، بل على الله سبحانه . إلاّ أنّ الإمامية أوجبوه عليه لحفظ قوانين الشرع عن التّغيير بالزيادة والنقصان .... لنا في إثبات مذهبنا أن تقول : أمّا عدم وجوبه على الله أصلاً وعدم وجوبه علينا عقلاً فقد مرّ ، لما تبين من أنه لا وجوب عليه تعالى ولا حكم للعقل في مثل ذلك ... ) .
وقوله (348) : ( احتجّ الموجب النصب للإمام على الله بأنّه لطفٌ ، لكون العبد معه أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية ، واللطف واجب عليه تعالى . والجواب ـ بعد منع وجوب اللّطف ـ : أنّ اللّطف الذي ذكرتموه إنّما يحصل
ـــــــــــــــــ
(1) النافع يوم الحشر ـ شرح الباب الحادي عشر : 44 .
ـــــــــــــــــ
(1) النافع يوم الحشر ـ شرح الباب الحادي عشر : 44 .
الصفحة 46
بإمام ظاهر قاهر... ) .
أقول :
قد عرفت أنّ ( الإمامة ) نيابةٌ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وخلافةٌ عنه في كلّ ما لأجله بُعث ، فهي من توابع ( النبوّة ) وفروعها ، فكلّ دليل قام على وجوب بعث النبيّ وإرسال الرسول فهو دالّ على وجوب نصب الإمام النائب عنه والقائم مقامه في وظائفه ....
ومن ذلك قاعدة اللّطف ، وهو : ما يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية ، ولا حظّ له في التمكين ، ولا يبلغ الإلجاء ، لتوقّف غرض الّلطف عليه ، فإنّ المريد لفعل من غيره إذا علم أنّه لا يفعله إلاّ بفعل المريد من غير مشقّة لو لم يفعله لكان ناقضاً لغرضه ، وهو قبيح عقلاً (1).
ولا ريب في أنّ ( الإمام ) كذلك مثل ( النبيّ ) . فنصب الإمام واجب على الله كبعث النبيّ ؛ لتكون لله ( الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (2) و ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ ) (3) و ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (4) .
وحينئذ لا يقال : ( أنّه لا وجوب عليه تعالى ، ولا حكم للعقل في مثل ذلك ) ؛ لأنّ معنى هذا الوجوب العقلي درك العقل حسن إرسال ونصب الإمام ، إذا بذلك يعرف الله ويعبد ، وهذا هو الغرض من الخلقة ، حيث قال سبحانه : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) (5) ، ولو تركه لكان ناقضاً لغرضه . فسقط منع وجوب اللّطف ، ولعلّ منشأ المنع هو الغفلة عن حقيقة
ــــــــــــــ
(1) الباب الحادي عشر : 35 .
(2) سورة الأنعام : 149 .
(3) سورة النساء : 165 .
(4) سورة الأنفال : 42 .
(5) سورة الذاريات : 56 .
ــــــــــــــ
(1) الباب الحادي عشر : 35 .
(2) سورة الأنعام : 149 .
(3) سورة النساء : 165 .
(4) سورة الأنفال : 42 .
(5) سورة الذاريات : 56 .
الصفحة 47
الاستدلال .
وسقط أيضاً النقض بالإمام المعصوم الغائب ، ولعل منشأه الغفلة عن حقيقة الإمامة ، وتوهّم كونها السلطنة الظاهرية فحسب ، وقد عرفت أنّها منصب إلهي كالنبوّة ، فكما أنّ النبوّة قد تجتمع مع السلطنة الدنيوية والحكومة الظاهرية وقد تفترق عنها والنبوّة باقية ، كذلك الإمامة ، و (البعث ) و ( النصب ) من الله في جميع الأحوال على حاله ، و ( النبيّ ) و ( الإمام ) باقيان على النبّوة والإمامة ، وعلى الناس الانقياد لهما والتسليم لأوامرهما ونواهيهما ، ولا إلجاء من الله كما عرفت ، فإن فعلوا اجتمعت الرئاستان وتمّ اللطف ، وإلاً افترقتا ولم تبطل النبوّة والإمامة ، بل خسرت الأمّة فوائد بسط اليد ونفوذ الكلمة منهما ، على أنّ وجود النبيّ أو الإمام الفاقد للسلطنة الظاهرية ينطوي على بركات وآثار ، حتى ولو كان غائباً عن الأبصار ..
هذا موجز الكلام في بيان الاستدلال بقاعدة اللطف ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتب الكلامية لأصحابنا الإمامية ، كالذخيرة ، والشّافي وتلخيصه ، وتجريد الاعتقاد وشرحه ، وغيره من كتب العلاّمة الحلّي وشروحها ، وغير ذلك ..
واستدل أيضاً : بأنّه قد ثبت أنّ شريعة نبيّنا عليه وآله السلام مؤبّدة ، وأنّ المصلحة لها ثابتة إلى قيام الساعة لجميع المكلّفين . وإذا ثبت هذا فلا بدّ لها من حافظ ، لأنّ تركها بغير حافظ إهمال لها ، وتعبّد للمكلّفين بما لا يطيقونه ويتعذّر عليهم الوصول إليه .
وليس يخلو الحافظ لها من أن يكون جميع الأمّة أو بعضها .
وليس يجوز أن يكون الحافظ لها الأمّة ، لأنّ الأمّة يجوز عليها السّهو والنسيان وارتكاب الفساد والعدول عمّا علمته .
فإذن ، لا بدّ لها من حافظ معصوم يؤمن من جهته التغيير والتبديل والسهو ، ليتمكّن المكلّفون من المصير إلى قوله .
فإذن ، لا بدّ لها من حافظ معصوم يؤمن من جهته التغيير والتبديل والسهو ، ليتمكّن المكلّفون من المصير إلى قوله .
الصفحة 48
وهذا الإمام الذي نذهب إليه (1) .
وقد أشير في الكتاب إلى هذا الاستدلال وترك بلا جواب .
واستدل أيضاً بأنّه : قد ثبت أنّه ليس كلّ ما تمسّ الحاجة إليه من الشريعة على حجّة قاطعة من تواتر أو أجماع أو ما جرى مجراهما ، بل الأدلّة في كثير من ذلك كالمتكافئة ، ولولا ما ذكرناه ما فزع خصومنا إلى غلبة الظنّ والاستحسان واجتهاد الرأي ، وإذا ثبت ذلك ، وكنّا مكلّفين بعلم الشريعة والعمل بها ، وجب أن يكون لنا مفزع نصل من جهته إلى ما اختلف أقوال الأمّة فيه .
وهو الإمام الذي نقوله . وهذا دليل آخر على وجوب إمام معصوم في كلّ زمان ... وهناك غير ما ذكر من الأدلّة .
فهذا جملة من الأدلّة العقلية على أنّ نصب الإمام بيد الله بيد الأنام ، وفي الكتاب والسنّة أدلّة عديدة على أنّ لا دخل للناس في نصب الإمام وتعيينه ، من ذلك قوله تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (2) .
ومن ذلك ما ثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من أنّه لما عرض نفسه على بعض القبائل ودعاهم إلى الإسلام قال له رجل منهم :
( أرأيت أن نحن بايعناك على أمرك ثمّ أظفرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء ) (3) .