Rss Feed

  1. قال (268) :
    الأوّل : ـ إنّ بعد رسول الله إماماً ، وليس غير عليّ ، لأنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً ومنصوصا عليه وأفضل أهل زمانه . ولا يوجد شيء من ذلك في باقي الصّحابة ، أمّا العصمة والنص فبالاتّفاق ، وأمّا الأفضلية فلِما سيأتي .

    الصفحة 201
    والجواب : أوّلاً : منع الاشتراط . وثانياً : منع انتفاء الشرائط في أبي بكر ) .
    أقول :
    أمّا الجواب الأوّل فممنوع ، بالأدلّة القائمة على اشتراط العصمة والنصّ والأفضلية في الإمام .
    وأمّا الجواب الثاني : فيكفي في ردّة اعترافه غير مرة بانتفاء العصمة والنصّ في أبي بكر ، وكذا تقريره الاتّفاق على نفيها في غير عليّ عليه السلام من الصّحابة . وأمّا الأفضلية فسيأتي الكلام عليها .
    قال : ( ويمكن أن تجعل الأدّلة بحسب الشروط ) .
    أقول : فلم جعلها وجهاً واحداً ؟ وكذلك فعل بالنسبة إلى حديثي الغدير والمنزلة كما سيأتي ، وقد كثّر عدد الوجوه التي زعمها على إمامة أبي بكر ؟!
    قال :
    ( وربّما يورد في صورة القلب ، فيقال ... وأمّا ما يقال ... فمحلّ نظر ) .
    أقول :
    فهلاّ أوضح وجه النّظر !!
    آية : إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ..
    قال ( 269) :
    ( الثاني : قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ... ) (1) والجواب ... ) .
    أقول :
    لم يمكنه إنكار نزول الآية باتّفاق المفسّرين في أمير المؤمنين ، ولا إنكار أنّ من معاني ( الولي ) هو ( المتصرّف ) وإنّما اعترض على الاستدلال بوجوه :
    والعمدة ـ بدليل تقديمه على غيره ، وعدم ذكر بعضهم كابن روزبهان غيره ـ
    ـــــــــــــــــــــ
    (1) سورة المائدة : 55 .

    الصفحة 202
    هو الأخذ بسياق الآية ، فقال بعد بيان ذلك : ( وبالجملة ، لا يخفى على من تأمّل في سياق الآية وكان له معرفة بأساليب الكلام ، أنّ ليس المراد بالولي فيها ما يقتضي الإمامة ، بل الموالاة والنصرة والمحبّة ) .
    وهذا الاعتراض موجود في ( المواقف ) وهذه عبارته : ( ولأنّ ذلك غير مناسب لما قبلها وهو قوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ) وما بعدها وهو قوله : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) قال الشارح : ( فإنّ التولي هاهنا بمعنى المحبّة والنصرة دون التصرّف ، فوجب أن يحمل ما بينهما على النصرة أيضاً ليتلاءم أجزاء الكلام ) (1) .
    ولكن يجاب عنه ـ بعد التسليم بقرينيّة السّياق مطلقاً ـ أنّ الآية التي ذكروها ليست قبل هذه الآية ، بل مفصولة عنها بآيات عديدة أجنبية عنها ، ولنذكر الآيات كلّها :
    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ *فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ* وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ )
    ـــــــــــــــــــــ
    (1) شرح المواقف 8 / 360 .

    الصفحة 203
    فظهر أنّ لا قرينيّة للآية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ... ) بالنسبة إلى الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ... ) وأمّا الآية التي بعدها وهي : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ... ) فهي مناسبة لكون المراد هو ( الأولوية بالتصرّف ) بكلّ وضوح ؛ لأنّ المراد بتولّي الله ورسوله والذين آمنوا هو اتخاذهم أولياء والقول بولايتهم بالمعنى الذي أريد من ( الولي ) في قوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ... )  فكيف لا تحصل المناسبة ؟!
    وإذا ارتفعت هذه الشبهة ... والآية نازلة في أمير المؤمنين باتّفاق المفسّرين ـ لم يعبأ باحتمال كون ( الواو ) في وَهُمْ رَاكِعُونَ ) عاطفة لا حاليّة ... إذ المراد هو الإمام علي عليه السلام الذي تصدّق بخاتمة وهو راكع .
    نعم هنا إشكال أنّ : ( ( الذين آمنوا ) صيغة جمع فلا يصرف إلى الواحد إلاّ بدليل ) .
    والجواب : أنّ الدليل هو اتّفاق المفسّرين الذي اعترفوا به ، ونظائره في القرآن كثيرة .
    وإلى هنا ظهر تماميّة الاستدلال بالآية المباركة ... ويبقى ما ذكره بقوله : ـ ( إنّ ظاهر الآية ثبوت الولاية بالفعل وفي الحال ... ) . وقد أخذه من شيخه العضد حيث قال : ( المراد هو الناصر وإلاّ دلّ على إمامته حال حياة الرّسول ) (1) .
    وقد ذكرنا في جوابه : أنّ التصرّف من شؤون صاحب الولاية ، سواء كان نبيّاً أو وصي نبيّ ، فقد يكون حاصلاً له بالفعل وقد لا يكون وقد لا يحصل كما وقع بالنسبة إلى كثير من الأنبياء والأوصياء ... فالمقصود بالاستدلال إثبات الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام ، وأمّا فعليّة التصرّف فقد يقال بحصولها له في حياة النبيّ أيضاً ونفوذه إلاّ حيثما لا يرضى النبيّ ، وهو لا يفعل ما لا يرضاه قطعاً .
    ـــــــــــــــــــــ
    (1) شرح المواقف 8 / 360 .

    الصفحة 204
    وقد يقال بتوقّف تصرّفه على وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهذا كما في الوصية ، حيث يثبت استحقاقها للوصي ، لكنّه يمنع من التّصرف مادام الوصيّ موجوداً ، ولعلّه لوضوح الجواب عن هذا الوجه أعرض ابن روزبهان عن ذكره .
    ولعله لذلك أيضاً كان معتمد الفخر الرازي وجهاً آخر ذكره السّعد ، لكن أجاب عنه .
    وأمّا ما ذكره السّعد من أنّه : ( لو كانت في الآية على إمامة على لما خفيت على الصّحابة ... ) فهذا :
     أوّلاً : استبعاد محض ، وقد تقدّم ما يقتضي رفعه .
    وثانياً : منقوض بما استدلّوا به على إمامة أبي بكر ، مع معارضة الأنصار والمهاجرين له .
    هذا تمام الكلام على ما ذكره حول الآية المباركة . وقد عرفت أنّها مجرّد شبهات واهية تبعثها التعصّبات الباردة .