Rss Feed

  1. أقول : ليس دليل عصمة الزهراء محصوراً بالآية والحديث المذكورين .
    أمّا الآية المباركة فقد تواتر النقل عن الفريقين أنّ أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً فيها ، إنّما هم : النبيّ وعليّ وفاطمة والحسنان عليهم الصلاة والسلام ، وكفاك في هذا المقام الحديث الذي رواه أعلام الأئمّة الحفّاظ وصحّحوه عن السيدة أم سلمة أُمّ المؤمنين رضي الله عنها التي على يدها دار الحديث وفي بيتها نزلت الآية ...
    ـــــــــــــــــ
    (1) تاريخ الطبري 4 / 52 وغيره .

    الصفحة 66
    فقد أخرج الترمذي وصحّحه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي في سننه ، من طرقٍ عن أمّ سلمة رضي الله عنها ، قالت : في بيتي نزلت : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) وفي البيت : فاطمة وعليّ والحسن والحسين ، فجلّلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكساء كان عليه ، ثمّ قال : ( هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً )  (1) .
    وفي حديث آخر رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنها : قالت أم سلمة رضيَ الله عنها : فأدخلت رأسي في الستر ، فقلت : يا رسول الله وأنا معكم ؟ فقال : إنّك إلى خير ـ مرّتين ) (2) .
    وفي آخر : ( قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه من يدي وقال : إنّك على خير (3) .
    وأمّا الحديث الذي ذكر في الكتاب عن الضحّاك ، ففيه أوّلاً : إنّه لم يعلم من راويه وما سنده ؟
    وثانياً : ( الضحّاك بن مزاحم ) كان يروي عمّن لم يلقه ، وكان شعبة لا يحدّث عنه ، وقال يحيى بن سعيد : كان الضحّاك عندنا ضعيفاً . وقال البخاري بعد أنّ روى عنه حديثاً عن ابن عمر : لا أعلم أحداً قال : سمعت ابن عمر . إلاّ أبو نعيم (4) .
    وثالثاً : إنّ الحديث عن عائشة ، وهي في هكذا موضع بالخصوص متّهمة في النقل .
    ورابعاً : أنّ الحديث يعارضه ما رواه القوم عن أمّ سلمة وجماعة من الصحابة ، وهو المشهور روايةً والمعتبر سنداً .
    وخامساً : أنّ الحديث معارض بحديث آخر من عائشة نفسها ـ ومن رواته
    ـــــــــــــــ
    (1) الدر المنثور 5 / 198 .
    (2) و (3) الدر المنثور 5 / 198 .
    (4) تهذيب التهذيب 4 / 398 .

    الصفحة 67
    مسلم بن الحجّاج ـ قال الحافظ السيوطي : ( وأخرج ابن أبي شيبه وأحمد ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن عائشة ، قالت : خرج رسول الله غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه ، ثمّ جاء عليّ فأدخله معه ، ثمّ قال : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ (1) .
    ثمّ إنّ الآية الكريمة تدل على عصمة الخمسة ؛ لأنّ الرجس فيها كما نصّ عليه الزمخشري (2) وغيره هو ( الذنوب ) وقد تصدّرت الآية بأداة الحصر ، فدلّت على أنّ إرادة الله تعالى في حقّهم مقصورة على إذهاب الذنوب كلّها عنهم ، وهذا واقع العصمة .
    وأيضاً : فقد ذكر أصحابنا هذه الآية المباركة في أدلّة إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ؛ لأنّه قد ادّعى الخلافة لنفسه ، وادّعاها له فاطمة والحسنان ، وهم لا يكونون كاذبين ؛ لأنّ الكذب من الرجس الذي أذهبه الله عنهم .
    وأمّا الحديث الشّريف : ( فاطمة بضعة منّي ... ) فهو أيضاً من الأحاديث الصحيحة المتّفق عليها ، وممّن أخرجه : أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والحاكم ... وهو يدلّ على عصمتها صدراً وذيلاً .
    أمّا صدراً فلكلمة ( بضعة ) . [و] قوله : ( مجاز قطعاً ) ، فيه : أنّ الأصل هو الحقيقة فلابدّ من حمل الكلام عليها ، ثمّ من أين يحصل القطع بكونه مجازاً ؟! وممّا يشهد بحمله على الحقيقة فهم كبار الحفّاظ من ذلك بشرحه ، كالحافظ أبي القاسم السهيلي شارح السيرة النبوية ... فقد قال المنّاوي شرح الحديث : ( استدل به السّهيلي على أنّ من سبّها كفر ؛ لأنّه يغضبه وأنّها أفضل من الشيخين ) (3) .
    فإنّ دلالته على الأفضلية منهما لا يكون إلاّ بلحاظ كون الزهراء ( بضعة )
    ــــــــــــــــ
    (1) الدر المنثور 5 / 199 .
    (2) الكشاف 3 / 538 وكذا في غيره من التفاسير .
    (3) فيض القدير 4 / 421 .

    الصفحة 68
    من النبيّ ، وهو أفضل الخلائق أجمعين .
    وكالحافظ السمهودي فإنّه قال : ( ومعلوم أنّ أولادها بضعة منها فيكونون بواسطتها بضعة منه ) (1) ، فإنّ هذا لا يتمّ إلاّ بحمل ( البضعة ) على الحقيقة كما هو مقتضى الأصل . فتأمّل .
    ومتى تعذّر حمل الكلام على الحقيقة فأقرب المجازات هو المتعيّن كما تقرّر في موضعه ، وهو أيضاً كافٍ لإثبات المطلوب كما لا يخفى .
    ويشهد بما ذكرنا أنّ الكلمة جاءت في بعض الروايات بلفظ : ( مضغة ) (2) وبلفظ : ( شجنة ) (3) .
    وأمّا ذيلاً فإنّ في ذيل الحديث : ( فمن أغضبها أغضبني ) (4) وفي لفظ : ( يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها ) (5) وفي ثالث ( يؤذيني ما آذاها ) (6) . وكيف تنكر عصمة من يكون رضا النبيّ وغضبه دائراً مدار رضاه وغضبه ؟!
     
    قوله (356) :
    ( الثاني من الوجوه الدّالة على نفي أهليته للإمامة أنه لم يولّه النبي عليه السلام شيئاً في حال حياته ... قلنا : لا نسلّم أنه لم يؤلّه شيئاً بل أمّره على الحجيج سنة تسع وأمره بالصلاة بالناس في مرضه ... ) .