Rss Feed

  1. قوله (355) : ( قولهم : خلاف الآية في منع الإرث : قلنا : لمعارضتها بقوله عليه السلام : نحن معاشر الأنبياء لا نوّرث ... ) .
    أقول :
    الصفحة 61
    1 ـ ليس في استدلال أصحابنا : أنّ الزهراء عليها السلام كانت مستحقّة للنصف ، بل إنّ البنت الواحدة ترث كلّ ما تركه مورثّها بالفرض والرد .
    2 ـ أن الزهراء عليها السلام لم تطالب بنصف فدك بل كلّها .
    3 ـ إنّ صريح الأخبار الآتي بعضها هو أن ( فدك ) غير ( خيبر ) ، فليست قريةً بخيبر كما ذكر .
    4 ـ أنّ مطالبتها في خصوص فدك لم يكن إرثاً ، بل إنّها كانت تطالب برفع استيلاء القوم على ذلك الملك الحاصل لها نحلةً من والدها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ منذ عام خيبر .
    أمّا أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أعطاها فدكاً فذاك ما رواه كبار الحفّاظ عن غير واحد من الأصحاب (1) .
    وأمّا أنّ أبا بكر تعرّض لفدك واستولى عليها بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فذاك أمر ثابت لا خلاف فيه ، وفي عبارة ابن حجر المكي : ( إن أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً ) (2) .
    وعلى الجملة فلا ريب في أنّ فدكاً كانت بيد الزهراء من قبل وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبو بكر كان يعلم بذلك ، فهل انتزعها منها لكون يدها عدوانيةً ؟!
    وهلاّ طلب منها قبل الانتزاع إقامة البيّنة لو فرض أنّه كان يرى باجتهاده توقف استمرار يدها على ذلك !!
    وإذ طلب منها الشهود ـ وهو يعلم بكون فدك بيدها بالحقّ ـ فلماذا ردّ شهادة أمير المؤمنين ؟! أكان يراه كاذباً أو كان اجتهاده على عدم كفاية الشاهد الواحد و إن علم بصدقه ؟!
    أمّا الأوّل : فلا نظنّهم يلتزمون به وعليّ من عرفه الكلّ .
    وأمّا الثّاني : فيردّه حكم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بشهادة خزيمة بن
    ــــــــــــــــ
    (1) الدر المنثور : 4 / 177 .
    (2) الصواعق المُحرقة : 31 .

    الصفحة 62
    ثابت ، فلهذا لقّب بذي الشّهادتين (1) .
    ولو سلّم حصول الشك له فهلاّ طلب اليمين من فاطمة فيكون قد قضى بيمين وشاهد ، وهو ما نزل به جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم (2) ، وقضى به رسول الله ، كما في الصحيح (3) .
    لكن في الكتاب : ( لعلّه لم يرَ الحكم بشاهد ويمين ) !! سلّمنا ، أليس كان عليه أن يحلف حينئذٍ ؟! فلماذا لم يحلف والزهراء ما زالت مطالبة ؟!
    هذا كلّه بغض النظر عن عصمة عليّ والزهراء والحسنين ، وفضلاً عن شهادة أمّ أيمن وهي المشهود لها بالجنّة (4) .
    5 ـ ثمّ إنّها طالبت أبا بكر بإرثها من رسول الله صلّى الله عليه و آله وسلّم ، وقد شمل طلبها هذا فدكاً بعد أن ردّ طلبها بترك التعرّض له ، لكون هذه الأرض ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا رِكاب ، فكان ملكاً خاصّاً لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .
    أخرج البخاري عن عائشة قالت : ( إنّ فاطمة عليها السلام بنت النبيّ أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر .
    فقال أبو بكر : إنّ رسول الله قال : لا نورّث ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمّد في هذا المال ، وإنّي والله لا أغيّر شيئاً من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ، ولأعملنّ فيها بها عمل بها رسول الله .
    فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً .
    ـــــــــــــ
    (1) سنن أبي داود 3 / 418 .
    (2) كنز العمّال ـ كتاب الخلافة 5 / 508 .
    (3) صحيح مسلم كتاب ، الأقضية ، سنن أبي داود 3 / 419 .
    (4) كما في ترجمتها في طبقات ابن سعد ، والإصابة ، وغيرهما .

    الصفحة 63
    فَوَجَدت فاطمة على أبي بكر ، فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت . وعاشت بعد النبيّ ستة أشهر . فلمّا توفّيت دفنها زوجها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر . وصلّى عليها . وكان لعليّ من الناس وجه حياة فاطمة ) (1) .
    6 ـ لكنّ الكلام في الحديث الذي ذكره ، فإنّ القوم لم يتمكّنوا من إثبات تماميّته سنداً ودلالةً ، فقد جاء في الكتاب ما نصّه : ( حجية خبر الواحد والترجيح ممّا لا حاجة لنا إليه هاهنا ؛ لأنّه كان حاكماً بما سمعه من رسول الله ، فلا اشتباه عنده في سنده ) .
    وهذا ـ مضافاً إلى أنّ أبا بكر لم يكن حاكماً في القضية بل كان خصماً ـ فرار عن البحث ؛ لأنّ غاية هذا الكلام حسن الظنّ بأبي بكر ، فلماذا لم يحسن الظنّ بعليّ وفاطمة والعبّاس وأزواج النبيّ ... الذين طالبوا بإرثهم من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم منكرين لهذا الحديث الذي انفرد أبو بكر بروايته !! ولا أقلّ من حسن الظنّ بكلا الطرفين ، فلم يثبت المخصّص لعمومات الإرث .
    هذا ، وقد وجدنا في حفّاظ أهل السّنة من تجرّأ فقال الحقّ ، وتحمّل في هذا السّبيل الطّعن والطّرد ، فصرّح ببطلان هذا الحديث ... ألا وهو الحافظ أبو محمّد عبد الرحمن بن يوسف المعروف بابن خراش ، البغدادي ، المتوفّي سنة 283 ، قال ابن المديني : ( كان من المعدودين المذكورين بالحفظ والفهم للحديث والرجال ) ، وقال الخطيب : ( كان أحد الرّحالين في الحديث إلى الأمصار وممّن يوصف بالحفظ والمعرفة ) ، وقال أبو نعيم : ( ما رأيت أحفظ منه ) ، وقال السّيوطي : ( ابن خراش الحافظ البارع الناقد ) . إلى غير ذلك من كلماتهم في تكريمه وتجليله ، وقد رووا عن عبدان أنّه قال : ( قلت لابن خراش : حديث : لا نورّث ما تركنا صدقة . قال : باطلٌ . قلت : من تتهّم به ؟ قال : مالك بن أوس ) ولهذا رموه بالتشيع ، وتهجّم
    ـــــــــــــــ
    (1) صحيح البخاري : باب غزوة خيبر . صحيح مسلم كتاب الجهاد والسيّر .

    الصفحة 64
    عليه الذهبي وابن حجر . لاحظ : تذكره الحفاظ 2 / 684 وميزان الاعتدال 2 / 600 ولسان الميزان 3 / 444 وطبقات الحفّاظ : 297 .
    فالحديث باطل سواء كان من أبي بكر أو مالك بن أوس .
    وممّا يؤكّد ذلك : عمل عمر ، وعثمان ، وعمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين عندهم ، وسائر أمراء المسلمين في عقيدتهم في فدك ، فهم جميعاً مكذّبون عملاً للحديث المذكور .
    هذا في ناحية السند .
    وكذا كلامه في ناحية المتن والدلالة ، حيث قال : ( وعلم أيضاً دلالته على ما حمله من المعنى ، لانتفاء الاحتمالات التي يمكن تطرّقها إليه بقرينة الحال ، فصار عنده دليلاً قطعيّاً مخصِّصاً للعمومات الواردة في باب الإرث ) .
    فهلاً احتمل ـ في أقل تقدير ـ أن يكون أبو بكر قد أخطأ في دلالة هذا الحديث ؛ وقد صرّح سابقاً بعدم عصمته ؟!
    إنّ الحديث ذو وجهين :
    أحدهما : أن يكون كلمة ( صدقة ) مرفوعةً على الإخبار به من ( ما ) الموصولة في ( ما تركناه ) .
    والآخر : أن يكون ( ما ) منصوبةً محلاً على المفعولية لـ ( تركناه ) وتكون ( صدقة ) حالاً من ( ما ) .
    وإثبات الأوّل ليتم الاحتجاج به في غاية الإشكال ، بل يبعّده ـ بل يبطله ـ عدم علم أمير المؤمنين عليّ وفاطمة وأهل البيت عليهم السلام والعبّاس وأزواج النبيّ وسائر المسلمين ، بهذا الذي ذكره أبو بكر ... بل إنّ هذا الحديث لم يسمع من أبي بكر قبل ذلك اليوم !! بل إنّ كلامه في آخر حياته حيث كان يتمنّى لو سأل النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عن حقّ أهل البيت في الخلافة ـ وإن كان في نفسه تضليلاً ـ دليل على ندمه على تصدّي الأمر وما ترتّب عليه من أفعال وتروك.

    الصفحة 65
    قال : إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ووددت أنّي تركتهنّ ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم . فأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي تركتهن : فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وإن كانوا قد غلّقوه على الحرب . ووددت أنّي لم أكن حرّقت الفجأة السلمي وأنّي كنت قتلته سريحاً أو خلّيته نجيحاً . ووددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين ـ يريد عمر وأبا عبيدة ـ فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً ... ووددت أنّي سألت رسول الله : لمن هذا الأمر ؟ فلا ينازعه أحد ، ووددت أنّي كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب ؟ ووددت أنّي كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمّة ؛ فإنّ في نفسي منهما شيئاً ) (1) .
    قوله (355) :
    ( قولهم : فاطمة معصومة . قلنا : ممنوعٌ ؛ لأنّ أهل البيت يتناول أزواجه أقربائه كما رواه الضحّاك ، فإنّه نقل بإسناده عن النبيّ عليه السلام أنّه قال حين سألته عائشة عن أهل بيته ... وقوله عليه السلام : بضعة منّي مجاز قطعاً ... ) .