الصفحة 19
الظاهر أنّ لا اختلاف كبير في تعريف علم الكلام وفائدته والغرض من وضعه ، فقد قال الإيجي : ( الكلام : علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيّة بإيراد الحجج ودفع الشُّبه ) .
قال : ( فائدته : أمور :
الأوّل : الترقي من حضيض التقليد إلى ذروة الإيقان ...
الثاني : إرشاد المسترشدين بإيضاح المحجّة ، وإلزام العاندين بإقامة الحجّة .
الثالث : حفظ قواعد الدين عن أن تزلزلها شُبه المبطلين .
الرابع : أنّ يبنى عليه العلوم الشرعيّة فإنّه أساسها ...
الخامس : صحّة النّية والاعتقاد ، إذ بها يرجى قبول العمل ) .
قال : ( وغاية ذلك كلّه الفوز بسعادة الدارين ) .
وقال التفتازاني : ( الكلام : هو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلّة اليقينية ) قال : ( وغايته : تحلية الإيمان بالإيقان ، ومنفعته : الفوز بنظام المعاش ونجاة المعاد ) .
والفيّاض اللاهيجي شارح التجريد ذكر كلا التعريفين في كتابه ( شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام ) .
فالغرض الذي من أجله وضع علم الكلام من قبل علماء الإسلام هو
الصفحة 20
معرفة أصول الدين عن طريق الاستدلال بالعقل والنقل ؛ ليكون أبناء الدين على علم بالأُسس التي بنيت عليها عقائدهم ، إذ التقليد في الأصول غير جائز عند أكثر العلماء ـ إن لم يكن كلّهم ـ وأنّه لا بدّ على كلّ مكلّف من النظر فيها .
فهذا هو الهدف الأوّل من وضع هذا العلم وتدوينه والتأليف فيه ، فهو من العلوم الضرورية للأمّة ؛ لأنّه العلم المتكفّل لبيان ما على المكلّفين الالتزام به من الناحية الاعتقادية ، كما أنّ علم الفقه يتكفّل بيان ما يجوز وما لا يجوز لهم من الناحية العملية جواز التقليد فيه .
وكما أنّ علم الفقه هو السبب في بقاء الشريعة في أحكامها الفرعية ، كذلك علم الكلام في الحفاظ على الأصول الاعتقاديّة .
على أنّ من الطبيعي أنّه إذا استوعب الإنسان الأدلّة والبراهين ، تمكّن من الدّفاع عن معتقداته ، والإجابة عن الشبهات المتوجّهة إليه ، بل ودعوة الآخرين إليها بقلمه ولسانه .
ومن هنا كثر اهتمام العلماء بهذا العلم ، وكثرت الكتب المؤلّفة فيه من مختلف المذاهب الإسلاميّة .