Rss Feed

  1. من الكتاب :
    قوله (359) : ( وأمّا تفصيلاً فالكتاب والسنّة ، أمّا الكتاب فمن وجهين ) .
    أقول :
    ظاهره انحصار استدلال أصحابنا لإمامة أمير المؤمنين عليه السلام بآيتين من الكتاب ، وهذا باطل كما لا يخفى على من راجع كتبهم ، نذكر منها على سبيل التمثيل أنّ العلاّمة الحلّي استدل في كتابه ( منهاج الكرامة ) بأربعين آية ، وفي كتابه ( نهج الحقّ ) بأربع وثمانين آية ، معتمداً على الأحاديث الثابتة عند الفريقين ...
    قوله تعالى : ( وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ )
    ــــــــــــــ
    = أهلّ السنّة : الدار قطني ، الخوارزمي ، ابن عبد البر ، الذهبي ، الحمويني ، الكنجي ، ابن حجر المكّي ، ابن المغازلي ، فهم رووها بكاملها أو جملاً منها .

    الصفحة 94
    قوله (359) :
    ( الأوّل قوله تعالى : ( وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ) ، والآية عامة في الأمور كلّها ... والجواب منع العموم ... ) .
    أقول :
    الآية هي : ( وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ) (1) . إذ اعتبر فيها الأولوية لمن جمع ثلاثة قيودٍ هي : كونه ذا رحم ، وكونه مؤمناً ، وكونه مهاجراً . فمن جمعها كان أولى من غيره ، وهذه الأولوية عامة للمال وللولاية ، بل كونها للولاية أوضح ، لكون سياقها سياق الآية الأخرى الواردة في خصوص الولاية وهي قوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ (2) . فهي ثابتة لأمير المؤمنين عليه السلام لكونه الجامع لها دون أبي بكر ، لأنّه لو سلّم كونه من المؤمنين والمهاجرين فليس بذي رحمٍ لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .
    ومن هنا يشترط في الإمامة والولاية الأقربية من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولذا احتجّ المهاجرون على الأنصار بالقرابة منه ، فلمّا بلغ عليّاً عليه السلام ذلك قال :
    ( وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم               فغيـرك أولـى بـالنبيّ وأقربُ ) (2)
    ولقد أذعن المنصور العبّاسي والفخر الرازي باستدلال محمّد بن عبد الله بن الحسن ، بن الحسن بن أمير المؤمنين عليه السلام ، ـ في كتاب له إلى المنصور ـ بالآية المباركة على أولوية ذي الرحم قائلاً : ( وليس في الآية شيء معيّن في ثبوت هذه الأولوية ، فوجب حمله على الكل إلاّ ما خصّه الدليل وحينئذٍ يندرج فيه الإمامة ) لكنّه أجاب
    ــــــــــــــ
    (1) سورة الأحزاب : 6 .
    (2) سورة الأنفال : 75 .
    (3) نهج البلاغة : 503 ط صبحي الصالح .

    الصفحة 95
    بأن : ( العباس أولى بالإمامة ، لأنّه كان أقرب إلى رسول الله من عليّ ) (1) .
    قلت : لو سلّمنا أقربية العبّاس من علي لكن القيود المأخوذة في الآية منها الهجرة ، والعبّاس لم يكن من المهاجرين ، إذ لا هجرة بعد الفتح .
    وبما ذكرنا يظهر سقوط ما جاء في الكتاب في الجواب عن الاستدلال بالآية الشريفة .
     قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ) :
     قوله (359 ـ 360) : ( الثاني : قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )(2) والجواب ... ) .
    أقول :
    إنّه يعترف بنزول الآية المباركة في شأن عليّ عليه السلام ، ويعترف أيضاً بأنّ من معاني ( الولي ) هو ( الأولى بالتصرّف ) وظاهره تمامية الاستدلال بالآية على الوجه المذكور لولا المانع ، وهو أمران : لزوم منع إمامته عليه السلام حال حياة الرسول ، ولا شبهة في بطلانه ، وتكرّر صيغ الجمع في الآية ، وهذا كيف يحمل على الواحد ؟! فلا بدّ من أن يكون المراد من ( الولي ) هو ( الناصر ) لا ( الأولى بالتصرّف ) ، والقرينة على كون المراد هو الناصر دون غيره هو ما قبل الآية وما بعدها ، فوجب أن يحمل ما بينهما على النصرة لتتلائم أجزاء الكلام .
    وحاصل ذلك تمامية المقتضي لولا المانع ... وهو الأمران المزبوران ، فاللازم رفعه ، من دون احتياج إلى إيراد ما ذكره أصحابنا في بيان وجه الاستدلال وإن كان أتمّ وأوضح ممّا ذكر في الكتاب عن لسانهم ، ومن دون بحث حول ( الولي ) وأنّه مشترك لفظي أو معنوي ، وإن كان الاستدلال على الثاني أبين
    ـــــــــــــ
    (1) الكامل للمبرّد 2 / 283 ، تفسير الرازي 4 / 395 .
    (2) سورة المائدة : 58 .

    الصفحة 96
    وأمتن ... فنقول :
    أمّا الأمر الأوّل فجوابه ـ كما عرفت سابقاً ـ أنّ التصرّف من شؤون صاحب الولاية سواء كان نبيّاً أو وصيّ نبيّ ، فقد يكون حاصلاً له بالفعل وقد لا يكون ، والمقصود بالاستدلال هنا إثبات الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام .
    وأمّا تصرّفه في الأمور فمن الواضح كونه موقوفاً على ما بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهذا كما يثبت بالوصية استحقاقها للوصي وإن منعه وجود الموصي من التصرّف ، وكذلك جعل النبّي في حياته الولاية لعليّ كما في غير واحد من الأحاديث ، وتنزيله إياه من نفسه بمنزلة هارون من موسى كما في حديث المنزلة .
    وأمّا الأمر الثاني فجوابه ظاهر جدّاً بعد تصريح الأحاديث عند الفريقين بانّ المراد شخص ( على عليه السلام ) ، وبأنّ ( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) جملة حالية ، فهو الذي تصدّق بخاتمة راكعاً فنزلت الآية ... فظهر سقوط ما ذكره الماتن إذ ليس إلاّ استبعاداً ، مع أنّ نظائر الآية في القرآن المجيد كثيرة ، واندفاع ما ذكره الشارح ، لعدم اشتراك غيره عليه السلام معه في تلك الصفة .
    فارتفع ـ بما ذكرنا ـ المانع عن أن يكون المراد من ( الولي ) في الآية هو ( الأولى ) ، وبقي الكلام حول ما ذكر قرينةً لحمله على ( الناصر ) وهو ما قبل الآية ، قال : ( وهو قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ) فإن الأولياء ههنا بمعنى الأنصار لا بمعنى الأحقّين بالتصرّف ) وما بعد الآية ( وهو قوله : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) فإنّ التولي ههنا بمعنى المحبّة والنصرة دون التصرّف ) .
    فنقول : ـ بعد التسليم بقرينية السياق مطلقاً ـ أمّا الآية التي ذكرها فليست قبل قوله تعالى : (  إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ... ) بل هي مفصولة عن هذه الآية بآياتٍ عديدةٍ أجنبيّة عنها ، فلا تصلح التي ذكرها قرينة لحمل ( الولي ) على ( الناصر ) . وأمّا التي بعدها فهي مناسبة لكون المراد ( الأولوية ) بكلّ وضوح ، لأنّ المراد بتولّي

    الصفحة 97
    الله ورسوله والذين أموا هو اتخاذهم أولياء والقول بولايتهم بالمعنى الذي أريد من الولي في (  إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ... ) فكيف لا تحصل المناسبة ؟
    فظهر أنّ الآية الكريمة ـ وبالنظر إلى أحاديث الفريقين الواردة في شأن نزولها ـ نصّ في إمامة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بلا فصل .
    قوله (360) : ( أمّا السنّة فمن وجوه ... ) .
    أقول :
    الوجوه التي ذكرها هي قليل من كثيرٍ لا يخفى على من لاحظ كتب أصحابنا ، فلا يتوهّم الانحصار بما أورد في الكتاب .