Rss Feed

  1. قال (303) :
    ( يجب تعظيم الصّحابة والكف عن مطاعنهم وحمل ما يوجب بظاهرة الطعن فيهم على محامل ... وللروافض سيّما الغلاة منهم مبالغات في بغض البعض من الصّحابة ... ) .
    أقول :
    لا بدّ ـ أوّلاً ـ من تعريف الصّحابي ، فقد اختلفت كلماتهم في تعريفه ، والذي يهمّنا هنا معرفة رأي السّعد : قال ابن الحاجب : ( الصّحابي من رأى النّبي عليه الصّلاة والسّلام وإن لم يرو ولم تطل ) .
    فقال العضد بشرحه : ( قد اختلف في الصحابي ، فقيل : من رأى الرسول عليه الصلاة والسلام وإن لم يرو عنه حديثاً ولم تطل صحبته له ، وقيل ... ) (1) .
    ـــــــــــــــــــ
    (1) شرح المختصر 2 / 67 .

    الصفحة 275

    فالمختار عند الماتن والشارح هو القول الأوّل .
    ووافقهما السّعد في الحاشية وهذه عبارته :
    ( قوله : الصحابي من رآه ، أي مسلم رأى النبيّ ، يعني صحبه ولو أعمى ، وفي بعض الشروح ، أي رأه النبيّ عليه الصلاة والسلام ) (1) .
    فالصحابي : من رأى النبيّ مسلماً أو رآه النبيّ .
    هذا هو الموضوع . والحكم : وجوب تعظيم الصّحابة كلّهم والكفّ عن مطاعنهم وحمل ما يوجب ...
    فالحاصل : وجوب تعظيم كلّ مسلم رأى النبيّ أو رآه النبيّ ، والكفّ عن مطاعنه ... فهل يرتضي هذا أحد ؟ وما الدليل عليه ؟ وكيف يقول السّعد هذا ؟ وسيصرّح في 310 بالعبارة التالية :
    ( إنّ ما وقع بين الصّحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ ، والمذكور على ألسنة الثقات ، يدل بظاهره على أنّ بعضهم قد حاد عن الطريق الحقّ ، وبلغ حدّ الظلم والفسق ، وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد ، وطلب الملك والرياسة ، والميل إلى اللذات والشهودات ، إذ ليس كلّ صحابي معصوماً ولا كلّ من لقي النّبي بالخير موسوماً ... ) .
    كيف يقول هنا : يجب تعظيم الصحابي ـ أي كلّ من لقي النبيّ ـ ... ويقول هناك : ( ليس كلّ صحابي معصوماً ولا كل من لقي النبيّ بالخير موسوماً ) ؟
    اللّهمّ إلاّ أن يقال : كلامه هنا عام وقد خصّصه كلامه ذاك ، فيكون حكم ما ذكره هنا حكم ما ورد كتاباً وسنةً في مدح الأصحاب عموماً ، فإنّ الله تعالى والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يأمران بحبّ من حاد عن الطريق الحق وبلغ حدّ الظلم والفسق ... بل الحكم الشرعي هو الاجتناب والتبرّي عن هكذا
    ـــــــــــــــــــ
    (1) شرح المختصر 2 / 67 .

    الصفحة 276

    أشخاص .
    هذا مقتضى التحقيق الحقيق بالقبول والتصديق .
    وعلى الجملة ، فإنّ من الأصحاب من لا يجوز تعظيمه والاقتداء به ، ومنهم من يجب تعظيمه وتكرمه ، وهذا القسم هو الذي يحمل ما يوجب بظاهره الطعن منهم على محامل وتأويلات ... كما هو الحال بالنّسبة إلى سائر المسلمين ...
    قال (305) :
    ( أمّا توقف عليّ في بيعة أبي بكر فيحمل على أنّه لما أصابه من الكآبة والحزن بفقد رسول الله ... ) .
    أقول :
    هذا حمل باطل ، فإنّه عليه السّلام قد أصابه بفقد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم من الكآبة والحزن ما لا يوصف ، ولكنّ ذلك ما كان بحيث يكون مانعاً له عن الحضور للبيعة مدّة ستة أشهر لو كان يرى أبا بكر إمام حقّ ... وهو يعلم بأنّ من بات وليس في عنقه بيعة إمام فمات مات ميتة جاهلية ! ولو سلّم أنّ المانع له ذلك فلم لم يأمر قومه وأتباعه وزوجته بالبيعة ؟
    إنّ هذا الحمل باطل ، بل الأدلّة والشواهد من الخطبة الشقشقيّة وغيرها دالّة على خلافة ... وقد تقدّم في الكتاب طرف من ذلك ...
    قال (306) :
    بل لأنّه تركهم واختيارهم من غير إلزام ... ) .
    أقول :
    ما الداعي لتوجيه تخلّف الجماعة عن بيعة أمير المؤمنين عليه السّلام ؟ وكيف يلتئم هذا التوجيه مع ما ثبت عن بعضهم من الندم على المخلّف عن البيعة والقتال مع الإمام ؟
    وهل يكون ترك الإلزام من الإمام عليه السّلام عذراً لترك الواجب بحكم الإسلام ؟ ثمّ لينظركم فرق بين إمامة أمير المؤمنين الذين ترك الإلزام ، وإمامة الذين

    الصفحة 277

    هدّدوا آل رسول الله بتحريق دارهم على من فيها ؟
    قال (308) :
    ( وما ذهب إليه الشيعة من أنّ محاربي عليّ كفرة ... فمن اجتراءاتهم وجهالاتهم ... ) .
    أقول :
    قال شيخنا أبو جعفر الطوسي المتوفّى سنة 460 : ( فصل في أحكام محاربي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب والقاعدين عن نصرته عليه السلام : عندنا أنّ من حارب أمير المؤمنين وضرب وجه ووجه أصحابه بالسيف كافر ، والدليل المعتمد في ذلك : إجماع الفرقة المحقّة من الإمامية على ذلك ، فإنّهم لا يختلفون في هذه المسألة على حالٍ من الأحوال ، وقد دلّلنا على أنّ إجماعهم حجّة فيما تقدّم .
    وأيضاً : فنحن نعلم أنّ من حاربه كان منكراً لإمامته ودافعاً لها ، ودفع الإمامة كفر ، كما أنّ دفع النبوّة كفر ؛ لأنّ الجهل بهما على حدٍ واحد ، وقد روي عن النبيّ أنّه قال : مَن ماتَ وهو لا يعرف إمام زمانه ماتَ ميتةً جاهلية . وميتة الجاهلية لا تكون إلاّ على كفر .
    وأيضاَ : روي عنه أنّه قال : حربك يا عليّ حربي وسلمك يا عليّ سلمي ، ومعلوم أنّه إنّما أراد : أنّ أحكام حربك تماثل أحكام حربي ، ولم يرد أنّ إحدى الحربين هي الأخرى ، لأنّ المعلوم ضرورة خلاف ذلك ، وإذا كان حرب النبيّ كفراً وجب مثل ذلك في حرب أمير المؤمنين ، لأنّه جعله مثل حربه .
    ويدلّ على ذلك أيضاَ : قوله : اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد من عاداه ، ونحن نعلم أنّه لا تجب عداوة أحد بالإطلاق إلاّ عداوة الكفّار .
    وأيضاً : فنحن نعلم أنّ من كان يقاتله يستحلّ دمه ويتقّرب إلى الله بذلك ، واستحلال دم امرئ مسلم كفر بالإجماع ، وهو أعظم من استحلال جرعة من الخمر الذي هو كفر بالاتّفاق ... ) (1) .
    ـــــــــــــــــــ
    (1) تلخيص الشافي 4 / 131 ـ 133 .

    الصفحة 278

    قال ( 310) :
    ( فإن قيل : يزعمون ... قلنا : مقاولتهم ومخاشنتهم في الكلام كانت محض نسبة إلى الخطأ ... وبالجملة : فلم يقصدوا إلاّ الخير والصّلاح في الدين ... ) .
    أقول :
    إذا كان يحسن الظنّ بأصحاب الجمل وأهل صفّين وغيرهم ، ويحمل أعمالهم ـ حتى المقاتلة فضلاً عن اللعن والتّضليل ـ على الصحّة ... فمن البعض الذي نصّ بعد هذه العبارة على أنّه : ( قد حاد عن طريق الحقّ وبلغ حدّ الظلم والفسق ، وكان الباعث له الحقد والعناد ... ) .
    قال (311) :
    فإن قيل : فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن على يزيد مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربو على ذلك ويزيد . قلنا : تحامياً عن أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى ... وإلاّ فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق ؟! ... ) .
    أقول :
    هذا توجيه لما ذهب إليه بعض النواصب ، لكنّ مقتضى مذهب أهل السنّة القائلين بإمامة من تغلّب بالجور والقهر ، وبعدم جواز عزل الحاكم وإن ظلم أو فسق ... هو المنع من لعن يزيد ...
    ثمّ إنّ الأعلى كائناً من كان إن كان مستحقا للعن فهو ملعون مثل يزيد ، وإن كان له دخل في تمكّن يزيد من رقاب المسلمين وتسلّطه على أهل بيت سيّد المرسلين ، فهو شريك في جميع ما فعله نغل معاوية اللعين ... فيستحقّ ما يستحقّه ... وإنّ الحق يقال على كلّ حال ..