Rss Feed

  1. قوله (358 ـ 359) : ( وخامسها : ادعاء النصّ على إمامة علي إجمالاً وتفصيلاً . أمّا إجمالاً


    الصفحة 91
    فقالوا ... والجواب : إنّه لمّا علم النبيّ عليه السلام أنّ الصحابة يقومون بذلك ولا يخلّون به ، لم يفعل ذلك لعدم الحاجة إليه ... ) .
    أقول :
    قد عرفت أنّ الشروط المعتبرة في الإمام من العصمة والأعلميّة ـ المستلزمة للأفضلية ـ وعدم المعصية سابقاً على ما تقدّم ، منتفية عن أبي بكر ، وهي موجودة في أمير المؤمنين عليه السلام ، فهو المتعيّن لأن يكون الإمام .
    وأيضاً : يجب أن يكون الإمام منصوصاً عليه ، وأبو بكر ليس بمنصوصٍ عليه ، كما اعترف في الكتاب ، فلا يكون إماماً ، بل الإمام هو عليّ عليه السلام . والنصوص الدالّة على إمامته كتاباً وسنةً كثيرة ...
    وأمّا ما ذكر من الوجهين للنصّ عليه إجمالاً فلم يخدش في شيء من مقدّماتهما ولا في النتيجة المطلوبة منها وهي وقوع النصّ على أمير المؤمنين عليه السلام ، غير أنّه قال في الجواب ما حاصله : إيكال النبّي صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر تعيين الإمام إلى الصحابة ، لكن فيه :
    أوّلاً : أنّه إذا تمّت مقدمات الاستدلال وسلّمت ، فالالتزام بالنتيجة المترتبة عليها ضروري ، وإلاً لزم الخلف .
    وثانيا : إنّ إيكال الأمر إلى الصحابة يستلزم أحد الأمرين : إمّا الإخلال بالواجب ، وإمّا الجهل بحال الأصحاب ، وكلاهما محال . بيان الاستلزام : أنّه إن كان عالماً بما سيقع بين الأصحاب والأمّة من الافتراق والاختلاف والارتياب ، فأوكل إليهم تعيين الإمام من بعده ، فهذا من أظهر مصاديق الإخلال بالواجب ، وهو محال في حقّه . وإن كان جاهلاً بأحوالهم وتشتّت أهوائهم واختلاف آرائهم ... فهذا نقص لا يجوز نسبته إليه أبداً ، مضافاً إلى أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : ( ستفترق أمّتي من بعدي إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة ، واحدة في الجنّة والباقي في النار )(1) .
    ـــــــــــــــ
    (1) هذا الحديث من الأخبار الثابتة ، وقد ذُكر في الكتاب واستند إليه في 376 .

    الصفحة 92
    فمن كان على علم بما سيكون من بعده ، وهو أشفق الناس على أمّته وشريعته . كيف يترك الأمّة بلا راعٍ والشريعة بلا حافظ ؟!
    ولو سلّمنا أنّه لم يفعل ذلك إيكالاً إلى الصحابة ، فالمفروض قيام الصحابة بأمر التعيين ، لكنّ الواقع غير ما قصده النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بحسب الفرض .
    قوله (359) :
    ( ثمّ عدم النصّ الجليّ معلوم قطعاً ؛ لأنّه لو وجد لتواترَ ولم يمكن سترة عادةً ؛ إذ هو ما تتوفّر الدواعي إلى نقله ، وأيضاً : لو وجد نص جلي على إمامة عليّ لمنع به غيره . ثمّ لا يحتجّ عليّ عليهم بذلك النصّ الجليّ ... )
    أقول :
    إنّ النصّ الجلي على إمامة عليّ عليه السلام معلوم قطعاً ، أمّا عن طريق أئمّة أهل البيت عليه السلام وأتباعهم فواضح ، وأمّا عن طريق المخالفين ، فكذلك كما ستعرف بعضه بالرغم من كثرة الدواعي على إخفائه وتوفّر الموانع عن نقله ونشره .
    أمّا أنه لو وجد لمنع به عليّ غيره من الإمامة واحتجّ به على الصحابة ...
    فالجواب : إنّه لم يكن حاضراً في السقيفة حتى يمنع أو يحتجّ ، لاشتغاله بأمر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولم يفرغ من ذلك إلاّ وقد نودي بالإمامة لأبي بكر وحمل الناس على بيعته ، فلم يبقَ له ـ والحال هذه ـ طريق إلى ( منع غيره عن الإمامة والاحتجاج عليه ) .
    فلو سلّم عدم احتجاجه عليهم هذه المدّة فالسبب عدم إتاحة فرصة له بذلك ، ولذا تراه يحتجّ كلّما سنحت له الفرصة ، ومن مواقف احتجاجه المشهورة يوم الشورى ، حيث كان احتجاجه المعروف المروي في كتب الفريقين (1) ، والدال
    ـــــــــــــــ
    (1) المناشدة يوم الشورى معروفة ، رواها : كبار العلماء من الفريقين ، فهي متّفق عليها ، وممّن رواها من =

    الصفحة 93
    على وجود النصوص الكثيرة على إمامته منذ اليوم الأوّل ، لا في رأيه فقط ، بل باعتراف كبار الصحابة وإقرارهم المستفاد من سكوتهم ...
    هذا مضافاً إلى ما جاء في احتجاجات الصدّيقة الطاهرة عليها السلام وبعض الأصحاب الذين عرفوا منذ حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالتشيّع والولاء لعليّ عليه السلام ... على إمامته بجملة من النصوص ، ممّا هو مذكور في التواريخ والسير ...
    لكنّ الباعث الأصلي إلى إنكار النصّ وغير ذلك ممّا قال هو حسن الظنّ بالصحابة ، حتى أنّه يقول : ( كيف يتصوّر ... ؟ ) إلاّ أنّ حسن الظنّ واستبعاد معصية القوم يزول بالنظر إلى الكتاب والسنّة ، وبالتأمل في أخبارهم وسيرهم الواصلة إلينا بالأسانيد المعتبرة ، وسنشير إلى موارد من ذلك في بحثٍ حول الصحابة .