Rss Feed

  1. ثمّ إنّ في قول الماتن : ( والمسلمون لابدّ لهم من إمام ... ) إشارة إلى الصفات التي يعتبرون وجودها في الإمام الذي يختارونه ، وقد ذكر الشارح في ( المقاصد ) تبعاً لصاحب ( المواقف ) ثلاثة شروطٍ ـ بعد التكليف والحريّة والذكورة ... ـ وهي :
     1 ـ ( العدالة لأنّ الفاسق لا يصلح لأمر الدين ... ) ، و 2 ـ ( الشجاعة ليقيم الحدود ) ، 3 ـ ( الاجتهاد ليقوم بمصالح الدين ) .
    وحينئذٍ يرد السؤال عليهم : هل كانت هذه الصفات متوفّرةً في الذين انتخبوا للنيابة عن رسول الله ؟ وسيأتي بعض الكلام على هذا .
    قال ( 233 ) :
     ( فإن قيل : لِمَ لا يجوز الاكتفاء ... ؟ )
    أقول :
    جوابه عن السؤالين صحيح ، والأصل فيه ما جاء في كتب الفريقين من أنّ ( الإمامة رئاسة عامّة في أمر الدين والدنيا خلافةً عن النبيّ )(1) ، فهي رئاسة عامّة ، وولاية مطلقة ، وإمامة كبرى ، كما كان ذلك كلّه للنبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، لكن نيابة عنه ، فليس المراد من بحث ( الإمامة ) رئاسة ذي شوكة في ناحية أو في كلّ النواحي ، بدون الولاية الإلهيّة المستتبعة لحرمة المخالفة ووجوب الإطاعة المطلقة شرعاً ، لأنّها حينئذٍ ( الملك ) .
    قال (233) :
    فإن قيل : فعلى ما ذكر من أنّ مدّة الخلافة ثلاثون سنة ... ) .
    أقول :
    جوابه غير وافٍ برفع الإشكال ، لعدم كون المراد الخلافة الكاملة ، كما تقدّم ، ولذا ذكر هذا الجواب في ( شرح المقاصد ) بنحو ( الاحتمال )(2) .
    ـــــــــــــــــ
    (1) انظر ( الطرائف على شرح المواقف ) و ( المراصد على شرح المقاصد ) .
    (2) شرح المقاصد 5/239 .

    الصفحة 303
    قال (234) :
    ولو سلّم أنّها ثلاثون سنة ، فلعلّ دور الخلافة ... ) .
    أقول :
    هذا من مواضع اضطراب القوم ، وعدم وضوح كلامهم لإثبات مرامهم ، وقد تعرّضنا لهذا الإشكال في ( المراصد ) بما حاصله : أنّه بالنظر إلى الحديث المذكور يدور أمرهم بين الالتزام بكون ميتتهم ميتةً جاهلية ، أو رفع اليد عن كون نصب الإمام بيد الخلق .
    وكأنّ الشارح لا يدري ما يقول ، فيبدأ كلامه بـ ( لعلّ ... ) ! ثمّ يعود فيقول : ( لكنّ هذا الاصطلاح ... ) ! وبالآخرة ينصّ على أنّه ( بعد الخلفاء العباسيّة فالأمر مشكل ) !
    إنّه يخترع اصطلاحاً ، ثمّ ينسب إلى الشيعة قولاً ... وكلّ ذلك بلا وجهٍ ، لأنّ الشّيعة الاثني عشرية يقولون ـ بمقتضى تعريف الإمامة ـ : بأنّ النائب عن رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم له الخلافة العظمى والإمامة الكبرى والولاية المطلقة ، فلا فرق حينئذٍ بين ( الإمامة ) و (الخلافة ) وأمّا ( الحكومة ) فهي شأن من شئون الإمام النائب عن النبيّ ، فقد تكون بيده وقد لا تكون ...
    إنّ ( الخليفة ) هو الذي يقوم مقام النبيّ في كلّ الأمور ، و ( الإمام ) هو المقتدى والمتّبع في كلّ الأمور ... وقد عيّن رسول الله ـ في الحديث الصحيح المروي في كتب الفريقين ـ عدد ( الخلفاء ) في (12) وستأتي بعض نصوصه .
    هل يعتبر كونه ظاهراً ؟
    قال (234) :
    ثمّ ، ينبغي أن يكون الإمام ظاهراً ، لا مختفياً ، ولا منتظراً ... لا كما زعمت الشيعة خصوصاً الإمامية منهم ...).
    أقول :
    أوّلاً : ليس من شرائط ( الإمام ) أن يكون ( ظاهراً ) بحيث لو كان ( مختفياً ) فهو ليس بإمام ، وكذلك ( النبيّ ) ولذا لم تبطل نبوّة نبيّنا صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم

    الصفحة 304

    باختفائه في شعب أبي طالب مدّة ثلاث سنين كما هو من ضروريّات تاريخ الإسلام ، ولذا قال ( ينبغي ) ... ولا ريب : أنّ النبيّ أو الإمام إذا اختفى من أعين الناس مدّةً فالسبب فيه ليس إلاّ الخوف من الأعداء وقلّة الناصر ، وإلاّ فإنّه لا يختفي بلا سبب .
    من أدلّة إمامة أئمّة أهل البيت :
    وثانياً : الإمام الحقّ بعد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم هو عليّ بن أبي طالب ، والدليل على ذلك الكتاب والسنّة والعقل . فأمّا الكتاب فآيات كثيرة تدلّ على إمامته :
    إمّا بإثبات الولاية المطلقة له كقوله تعالى : إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1)فإنّها نزلت لمّا تصدّق على السائل في أثناء الصلاة ، وأثبتت له نفس الولاية الثابتة لله وللرسول على النّاس (2) .
    وإمّا بإثبات المساواة بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في غير
    ـــــــــــــــــ
    (1) سورة المائدة : 55 .
    (2) قال في شرح المواقف : قد أجمع أئمّة التفسير على أنّ المراد بـ الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ ـ إلى قوله تعالى ـ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) عليّ ، فإنّه كان في الصلاة راكعاً فسأله سائل فأعطاه خاتمه فنزلت الآية . وقال في شرح المقاصد : (ونزلت باتّفاق المفسّرين في عليّ بن أبي طالب ، حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته ... ) .
    وفي هاتين العبارتين فوائد ثلاث هي : نزول الآية في عليّ عليه السلام ، وأنّه تصدّق في حال الركوع ، وأنّ ذلك ممّا أجمع عليه أئمّة التفسير . فلا مجال للمكابرة في شأن نزولها ، ولا للمناقشة في مدلولها من جهة أنّها بصيغة الجمع ، أو من جهة كون ( الواو ) عاطفة لا ( حاليّة ) . ومن أراد التفصيل في هذا المقام سنداً ودلالةً فليرجع إلى بحوثنا في الآية في كتبنا : ( نفحات الأزهار ) الجزء العشرون ، و ( تشييد المراجعات ) ، و ( المحاضرات في الاعتقادات ) .

    الصفحة 305

    النبوّة ، كقوله تعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ ... ) (1) فإنّ المراد من ( أنفسنا ) هو ( عليّ ) عليه السلام كما في الأحاديث المتّفق عليها في شرح قضية المباهلة (2) وذلك يدلّ على المساواة بينه وبين رسول الله، والمساوي للأفضل هو الأفضل (3) .
    وإمّا بإثبات العصمة له ، كقوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ... ) (4) فإنّها نزلت في النبيّ وعليّ وفاطمة والحسنين (5) وهي تدلّ على العصمة(6) ، وهي شرط في
    ــــــــــــــــ
    (1) سورة آل عمران : 61 .
    (2) راجع : صحيح مسلم 7/120 ، مسند أحمد 1/185 ، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7/60 ، صحيح الترمذي 5/596 ، خصائص علي للنسائي : 48 ـ 49 ، تفسير الطبري 3/212 ، أحكام القرآن للجصّاص 2/16 ، المستدرك على الصحيحين 3/150 ، المرقاة في شرح المشكاة 5/589 ، تفسير ابن كثير 1/319 ، الدرّ المنثور 2/38 ، الكامل في التاريخ 2/293 ، أُسد الغابة 4/26.
    (3) وذلك لأنّ كون عليّ عليه السلام نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي غير مراد قطعاً ، ومتى تعذّر المعنى الحقيقي فأقرب المجازات إليه هو المتعيّن ، والمساواة بينهما أقرب المجازات ، فيكون عليّ عليه السلام مساوياً للنبي في العصمة والأفضلية والأولوية بالمؤمنين من أنفسهم وفي سائر كمالاته ومقاماته ومنازله عدا النبوّة .
    ولهذا استدلّ بالآية أمير المؤمنين عليه السلام نفسه ، والإمام الرضا عليه السلام في جواب المأمون عندما سأله عن الدليل على إمامة عليّ من القرآن الكريم .
    ومن شاء التفصيل فليرجع إلى ( نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ) الجزء العشرون ، و ( المحاضرات في الاعتقادات ) .
    (4) سورة الأحزاب : 33 .
    (5) صحيح مسلم 7/130 ، مسند أحمد 1/330 ، صحيح الترمذي 5/327 كتاب التفسير ، 5/327 ، 656 كتاب المناقب ، خصائص علي للنسائي : 49 ، المستدرك على الصحيحين 2/ 416 ، تلخيص المستدرك للذهبي 2/ 416 ، تفسير الطبري 22/5 ـ 7 ، الدر المنثور 5/199 .
    (6) من جهة أنّ الله سبحانه يريد ـ بالإرادة التكوينيّة ـ إذهاب الرجس عن أهل البيت ـ وهم من عرفت ـ ويطهّرهم تطهيراً ، ولا شك في أنّ إرادته لا تتخلّف ، فهم منزّهون من كلّ ما هو رجس .
    وقد بحثنا عن الآية بالتفصيل في الجزء العشرين من كتابنا الكبير ( نفحات الأزهار ) وفي غيره من كتبنا .

    الصفحة 306

    الإمام ، كما سيأتي .
    وإمّا بإثبات أوصافٍ له ولأهل البيت ، والأمر بالكون معهم ، والاعتصام بهم ، والسؤال منهم ، والرجوع إليهم ، كقوله تعالى : يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ ) (1) فهم في روايات الفريقين : رسول الله والأئمّة الطاهرون (2) . وكقوله تعالى : فَسْأَلُوا أَهْلَ الذّكْرِ إِن كُنتُم لاَ تَعْلَمُونَ ) (3) فهم أهل الذكر كما في روايات الفريقين (4) وكقوله تعالى : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُوا ) (5) فهم حبل الله كما روى الفريقان عنهم عليهم السلام (6) .
    ــــــــــــــــــ
    (1) سورة التوبة : 119 .
    (2) روى نزولها في أهل البيت عليهم السلام جماعة من الأئمّة الأعلام ، فراجع مثلاً : الدر المنثور في التفسير بالمأثور 3/390 ، شواهد التنزيل 1/341 ، ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق 2/421 ، تهذيب الكمال 5/84 ، تفسير الشوكاني 2/414 ، روح المعاني 11/45 ، الصواعق المحرقة ـ باب الآيات النازلة فيهم ـ تذكرة خواصّ الأُمّة : 16 عن علماء السير ، المناقب للخوارزمي : 198 ، فرائد السمطين لشيخ الإسلام الحمويني 1/370 وغيرها .
    (3) سورة النحل : 43 ، سورة الأنبياء : 7 .
    (4) انظر : تفسير الطبري 14/75 ، تفسير القرطبي 11/272، تفسير ابن كثير 2/493 ، شواهد التنزيل 1/432 ، 434 ، 437 ، وغيرها .
    (5) سورة آل عمران : 103 .
    (6) رواه الثعلبي ، والحسكاني ، وأبو نعيم ، وعبد الرزاق الرسعني ، والسمهودي ، وابن حجر المكّي ، وغيرهم ، راجع تفصيل ذلك في كتاب ( تشييد المراجعات ) الجزء الثاني ، الصفحة : 46 ـ 67 .

    الصفحة 307

    وأمثال هذه الآيات كثيرة .
    وأمّا السنّة ، فالأحاديث الثابتة عن رسول الله ، الدالّة على إمامته ووجوب التمسّك به وبأهل البيت من بعده صلّى الله عليه وعليهم كثيرة جدّاً :
    فمنها ) ما هو نصّ في إمامته وخلافته ، كحديث الدار يوم الإنذار ، ففيه : ( يكون خليفتي ) .
    وكحديث الوصيّة فيما رواه سلمان عنه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : ( فإنّ وصيّي ... عليّ بن أبي طالب ) .
    وكقوله : ( سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين ) وفي رواية ابن عساكر بإسناده عن بريدة : ( أمرنا رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أن نسلّم على عليّ بإمرة المؤمنين ونحن سبعة وأنا أصغر القوم يومئذٍ ) .
    وكقوله : ( أوحي إليّ في عليّ ثلاث : إنّه سيّد المسلمين وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ) أخرجه الحاكم وقال : صحيح الإسناد .
    وكقوله لأنس بن مالك : ( أوّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين وخاتم الوصيّين ... )فدخل عليّ عليه السلام . رواه الذهبي في ( الميزان ) عن ( إبراهيم بن محمود بن ميمون ) وقال : ( لا أعرفه ) ، لكن قال الحافظ في ( اللسان ) أنّ الصواب ( إبراهيم بن محمّد بن ميمون ) وقد جاء ذكر الحديث بترجمته وفيها ( من أجلاد الشيعة . روى عن عليّ بن عابس خبراً عجيباً ) وهو ما رواه محمّد بن أبي عثمان بن أبي شيبة عن عليّ بن عابس عن الحارث بن حصيرة عن القاسم بن جندب عن أنس ... الحديث بطوله ... فقد وصفوا الحديث بـ ( العجيب ) وراويه بكونه من ( أجلاد الشيعة ) وهذا هو السّبب في تكلّم الأزدي فيه ، مع أنّ الأزدي ضعيف في نفسه ولا يعتبرون بتجريحاته ، وفي المقابل قد ذكر ابن حِبّان ( إبراهيم ) المذكور في ( الثقات ) وقال إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة : سمعت عمّي عثمان بن أبي شيبة يقول : لو لا رجلان من الشيعة ما صحّ لكم حديث . فقلت : من هما يا عمّ ؟ قال : إبراهيم بن محمّد بن ميمون ، وعبّاد بن يعقوب . قال ابن حجر : وذكره أبو جعفر الطوسي في رجال الشيعة ...
    ومنها ) ما يثبت له الولاية الثابتة لرسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم :

    الصفحة 308
    كقوله يوم غدير خم : ( ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى ، قال : فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ) (1) .
    وكقوله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : ( عليّ منّي وأنا من عليّ ، وهو وليّكم من بعدي ) (2) .
    ومنها ) ما يثبت له من نفسه كلّ المنازل الثابتة لهارون من موسى ، وهو قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ
    ــــــــــــــــــ
    (1) رواه : أحمد ، وابن ماجة ، والترمذي ، والبزّار ، والنسائي ، وأبو يعلى ، والطبري ، وابن حِبّان ، والطبراني ، والدارقطني ، والحاكم ، والخطيب ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، والبغوي ، وابن عساكر ، والمزّي ، وابن كثير ، وابن حجر وغيرهم ، قال الحافظ ابن كثير عن شيخه الحافظ الذهبي أنّه : متواتر أتيقّن أنّ رسول الله قاله . البداية والنهاية 5/213 .
    وقد دلّ هذا الحديث على ثبوت الولاية الثابتة له بقوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام ... ومن شاء التفصيل فليرجع إلى الأجزاء 6 ـ 9 من كتابنا الكبير ( نفحات الأزهار ) .
    (2) رواه القوم بأسانيدهم عن أمير المؤمنين عليه السلام والإمام الحسن ، وعن ابن عبّاس ، وأبي ذر ، وأبي سعيد ، وعمران بن حصين ، وبريدة وجماعة سواهم . ومن رواته : أبو داود الطيالسي ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وأبو يعلى ، والطبري ، وابن حِبّان ، والطبراني ، والحاكم ، وأبو نعيم ، والخطيب ، وابن عساكر ، والذهبي ، وابن حجر العسقلاني وغيرهم . وقد نصّ ابن عبد البر والمزي والسيوطي والمتقي على صحّته عن ابن عبّاس . راجع : الإستيعاب 3/1092 ، تحفة الأشراف 5/191 ، تهذيب الكمال 20/481 ، كنز العمال 11/608 . وعلى صحّته عن عمران بن حصين ، ابن أبي شيبة كما في كنز العمال 11/608 ووافقه السيوطي والمتقي الهندي .
    وهذا الحديث يدلّ على ثبوت الولاية لعليّ عليه السلام بعد رسول الله مباشرةً ، وعلى عصمته عليه السلام أيضاً ؛ لِما في بعض ألفاظه من أنّه قال صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : ( إنّ عليّاً لا يفعل إلاّ ما يؤمر به ) وعلى منازل ومزايا غير ذلك . ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الجزء 15 ـ 16 من كتابنا الكبير ( نفحات الأزهار ) .

    الصفحة 309
    بعدي ) (1) .
    ومنها ) ما يثبت له جميع الصفات الحسنة الموجودة في الأنبياء عليهم السلام ، ومن ذلك الحديث المعروف بحديث التشبيه أو الأشباه ، وهو في أحد ألفاظه : ( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى يحيى بن زكريا في زهده وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب ) (2) .
    ــــــــــــــــــ
    (1) وهو المعروف بحديث المنزلة . أخرجه : البخاري ومسلم وأبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة وابن سعد وابن ماجة وابن حبّان والترمذي والبزّار والنسائي وأبو يعلى والطبري والطبراني والحاكم وأبو نعيم والخطيب والبغوي والنووي وابن كثير والمزي وابن حجر العسقلاني وغيرهم ، قال ابن حجر : استوعب طرقه ابن عساكر في ترجمة علي . فتح الباري 7/60 ، وقال ابن عبد البر : هو من أثبت الأخبار وأصحّها . الاستيعاب 3/1097 وعن الحاكم والسيوطي وغيرهما التصريح بتواتره .
    هذا ، وقد ورد هذا الحديث عن رسول الله في أكثر من عشرة مواطن ، منها في غزوة تبوك ، وفي ألفاظه دلالات على إمامة عليّ وخلافته ، بل في بعضها التصريح بالخلافة كما في رواية الطبراني في الأوسط 4/484 قال : ( خلّفتك أن تكون خليفتي ) .
    وعلى الجملة ، فإنّه يدلّ على ثبوت جميع منازل هارون من موسى وهي الوزارة والخلافة وشدّ الأزر والمشاركة في الرسالة والقرابة القريبة ، فكلّها ثابتة لعليّ عليه السلام ( إلاّ النبوّة ) . ولتفصيل البحث يراجع كتاب ( نفحات الأزهار ) 17 ـ 18 .
    (2) أخرجوا هذا الحديث عن عبد الله بن العبّاس وأبي سعيد وأنس وأبي الحمراء وغيرهم من الأصحاب ، رواه عنهم جماعة كبيرة من الأعلام بألفاظٍ مختلفة ، فراجع من الكتب : الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة ( 3 ـ 4) : 196 ، وسيلة المتعبّدين في سيرة سيّد المرسلين 5/168 ، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : 61 ، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : 93 ، الفصول المهمّة في مناقب الأئمّة : 123 ، مناقب عليّ بن أبي طالب للخوارزمي : 40 ، وقد تعرّض له أصحاب الكتب الكلاميّة كالفخر الرازي في ( الأربعين في أصول الدين ) والإيجي في ( المواقف ) والجرجاني في ( شرحه ) والتفتازاني في ( شرح المقاصد ) ولم يناقشوا في سنده ... وكذا ذكره الفخر الرازي في ذيل البحث عن آية المباهلة .
    ومن شاء التفصيل في أسانيده ودلالته فليرجع إلى الجزء 19 من كتابنا الكبير ( نفحات الأزهار ) .

    الصفحة 310
    ومنها ) ما يثبت كونه الأحبّ إلى الله ورسوله ، وهو قوله في قصّة الطير : ( اللّهمّ إيتني بأحبّ خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطائر . فجاء عليّ فأكل معه ) (1) .
    ومنها ) ما يثبت له صفاتٍ تدلّ على أفضليّته وتعيّنه لقيادة الأمّة بعده صلّى الله عليه وآله وسلّم ، كقوله : ( أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها ... ) (2) .
    ــــــــــــــــــ
    (1) وهو المعروف بحديث الطير ، رووه عن أمير المؤمنين عليه السلام كما في ترجمته من ( تاريخ ابن عساكر ) وعن سعد كما في ( حلية الأولياء 4/356 ) وعن أبي سعيد ، كما في ( البداية والنهاية 7/354 ) ، وعن أبي رافع ، كما فيه أيضاً ، وعن أبي الطفيل كما في ( كفاية الطالب 368 ) ، وعن جابر كما في ( البداية والنهاية ) ، وعن ابن عبّاس كما في ( المعجم الكبير 10/343 ) ، وعن أنس بن مالك ، وهو المشهور بروايته ... وعن غيرهم من الصحابة ... ورواه عنهم عشرات التابعين ، ورواه : أبو حنيفة ومالك وأحمد والأوزاعي وشعبة وعبد الرزاق والبخاري ـ في تاريخه ـ والبلاذري وأبو حاتم والترمذي والبزّار والنسائي وأبو يعلى والطبري والطبراني والدارقطني والحاكم وأبو نعيم والبيهقي والخطيب والبغوي وابن عساكر والذهبي وابن كثير وابن حجر العسقلاني وغيرهم ... من الأئمّة والحفّاظ في مختلف القرون ...
    وهذا الحديث من أقوى الأدلّة المعتبرة على أفضليّة عليّ أمير المؤمنين عليه السلام عند الله ورسوله من سائر الخلائق أجمعين ، ولا شكّ أنّ الأفضليّة دليل الإمامة الكبرى والخلافة العظمى بعد النبيّ الكريم والرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم . ومن شاء تفصيل الكلام حوله فليرجع إلى الجزء 13 ـ 14 من كتابنا ( نفحات الأزهار ) .
    (2) هذا الحديث من رواته : عبد الرزاق ، ويحيى بن معين ، وأحمد ، والترمذي ، والبزار ، والطبري ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن السقا ، والحاكم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والخطيب ، وابن عبد البر ، والسمعاني ، وابن عساكر ، وابن الأثير ، وابن النجار ، والسيوطي ، والقسطلاني ، وابن حجر المكي ، والمتقي الهندي ... وغيرهم ، فراجع مثلاً :
    1 ـ تهذيب الآثار ـ مسند الإمام علي : 105 .
    2 ـ المعجم الكبير 11/65 .
    3 ـ جامع الأصول 8/657
    4 ـ تاريخ بغداد 4/348 ، 7/172 ، 11/204
    5 ـ الاستيعاب 3/1102
    6 ـ تذكرة الحفّاظ 4/28
    7 ـ أُسد الغابة 4/22
    8 ـ الرياض النضرة 2/255
    9 ـ تهذيب الكمال 20/485
    10 ـ مجمع الزوائد 9/114
    11 ـ عمدة القاري في شرح صحيح البخاري 7/631
    12 ـ إتحاف السادة المتّقين 6/224
    13 ـ المستدرك على الصحيحين 3/126
    14 ـ البداية والنهاية 7/358
    15 ـ الصواعق المُحرقة : 189
    16 ـ كنز العمّال 11/614
    هذا ، وقد صحّحه غير واحد من كبار الأئمّة كابن معين ، وحسّنه آخرون . وإن شئت التفصيل في سنده ومتنه وفقهه فراجع كتابنا ( نفحات الأزهار ) ج 10 ـ 11 .

    الصفحة 311
    وقوله ( أقضاكم عليّ ) (1) .
    ـــــــــــــــــ
    (1) أو أقضاهم عليّ أو قول الأصحاب : أقضانا عليّ ... وهذا من الأحاديث القطعيّة الثابتة ، تجده في : صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، باب قوله تعالى ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ... ) وبتفسيرها في الدرّ المنثور عن النسائي وابن الأنباري والبيهقي ، وهو في مسند أحمد 5/113 وابن ماجة في الفضائل : 14 ، والطبقات الكبرى ج2 ق2 ص102 ، والمستدرك 3/135 والاستيعاب وأُسد الغابة بترجمته عليه السلام ، وسنن البيهقي 10/269 وحلية الأولياء 1/65 ، والرياض النضرة 2/198 وغيرها .

    الصفحة 312
    وقوله له : ( أنت تبيّن لأمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي ) (1) .
    ومنها ) ما فيه الوصيّة بلزومه ، والتمسّك به وبأهل البيت ، والأخذ والتعلّم منهم ... كقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعمّار : ( يا عمّار ، إنّه سيكون في أمّتي بعدي هنات واختلاف حتّى يختلف السيف بينهم ، حتّى يقتل بعضهم بعضاً ويتبرّأ بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الذي عن يميني ـ يعني عليّاً ـ ، وإن سلك كلّهم وادياً وسلك عليّ وادياً فاسلك وادي عليّ وخلّ الناس طرّاً . يا عمّار ، إنّ عليّاً لا يزيلك عن هدى ، يا عمّار ، إنّ طاعة عليّ من طاعتي وطاعتي من طاعة الله عزّ وجلّ ) . رواه :
    الآجري في الشريعة 3/257 .
    والديلمي في فردوس الأخبار كما في كنز العمال .
    والخطيب في تاريخ بغداد 13/186 .
    والحمويني في فرائد السمطين 1/178 .
    والخوارزمي في المناقب : 57 ، 124 .
    والمتّقي الهندي في كنز العمّال 11/ 614 .
    وجماعة آخرون غيرهم .
    وكالحديث المعروف بـ ( حديث الثقلين ) الصادر عنه في مواطن متعدّدة ، وأزمنة مختلفة من حياته الكريمة ، حتّى الساعات الأخيرة من عمره الشريف .
    وقد ورد بألفاظٍ لكلّ واحدٍ منها خصوصيّةٌ ، نشير إليها بالإجمال :
    1 ـ في صحيح الترمذي بإسناده عن جابر ( قال رسول الله : يا أيّها الناس إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا : كتاب الله ، وعِترتي أهل بيتي ) 5/662 .
    ـــــــــــــــــ
    (1) أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك 3/122 وصحّحه ، وابن عساكر في تاريخه بترجمة أمير المؤمنين عليه السلام 2/488 ، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه كنز العمّال 11/615 والمنّاوي في فيض القدير في شرح الجامع الصغير وجماعة آخرون .

    الصفحة 313
    2 ـ وفيه بإسناده عن زيد بن أرقم : ( إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به ... ) 5/663 .
    3 ـ وفي المصنّف لابن أبي شيبة : ... ( الاتّباع ) بدل ( التمسّك ) و ( الأخذ ) 10 / 505 .
    4 ـ وعن كتاب المتفق والمفترق للخطيب البغدادي : ( الاعتصام ) .
    وجاء التعبير عن الكتاب والعترة أهل البيت : تارة بلفظ ( الثقلين ) وهو المعروف المشهور ، وأخرى بلفظ ( الخليفتين ) كما في المسند 6 / 232 والمعجم الكبير ، وعنه مجمع الزوائد قال : ورجاله ثقات (1) .
    وحديث الثقلين رواه : مسلم وابن إسحاق وابن سعد وابن أبي شيبة وابن راهويه وابن ماجة وأبو داود والترمذي والبزّار والنسائي وأبو يعلى والطبري والطبراني والدار قطني والحاكم وأبو نعيم والبيهقي والخطيب وابن عساكر والنووي والمزي والذهبي وابن كثير وابن حجر العسقلاني والسيوطي والمتّقي الهندي وغيرهم ... (2) .
    ولهذا الحديث ـ بمجموع ألفاظه ـ دلالات :
    فمن ذلك :
    1 ـ دلالته على عصمة الأئمّة من أهل البيت والعترة الطاهرة ، فإنّ الأمر بالتمسّك والأخذ والاتّباع والإطاعة بصورةٍ مطلقةٍ ، وأيضاً : القِران بينهم وبين القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... يدلّ على العصمة دلالة واضحةً ، إلى غير ذلك من القرائن الدالّة على ذلك في داخل الحديث وخارجه .
    2 ـ دلالته على أعلميّتهم ، فإنّه مقتضى الأمر بالأخذ عنهم ، بل في بعض
    ــــــــــــــــــــ
    (1) مجمع الزوائد 9/165 .
    (2) راجع كتابنا الكبير ( نفحات الأزهار ) ج 1 ـ 2 .

    الصفحة 314

    ألفاظه التنصيص على ذلك ، حيث قال : ( ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ) .
    3 ـ دلالته على خلافتهم ، فكما ذكرنا من قبل ، فإنّ من ألفاظ الحديث قوله : ( إنّي تارك فيكم خليفتين ... ) أخرجه أحمد 5 / 181 وهو في مصادر كثيرة عنه وعن ابن أبي شيبة وابن أبي عاصم والطبراني . قال المنّاوي : ( وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً ) (1) .
    ومن ذلك : دلالته على أنّ في الأمّة في كلّ زمانٍ إلى يوم القيامة من يكون أهلاً للإمامة من أهل بيته ، وذلك لأنّ صريحٌ في عدم الافتراق بين الكتاب والعترة إلى يوم القيامة وحتّى الورود على الحوض ، فكما أنّ القرآن باقٍ إلى يوم القيامة كذلك يجب وجود من يكون أهلاً لأن يتمسّك به ويؤخذ منه ويتّبع إلى يوم القيامة .
    وقد نصّ غير واحد من الأئمّة الأعلام من شرّاح الحديث على هذه الحقيقة :
    قال الحافظ السمهودي ـ في تنبيهات حديث الثقلين ـ : ( ثالثها : إنّ ذلك يُفهم وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من أهل البيت والعترة الطاهرة ، في كلّ زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة ، حتّى يتوجّه الحثّ المذكور إلى التمسّك به ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا ـ كما سيأتي ـ أماناً لأهل الأرض ، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض ) (2) .
    وقد نقل هذا الكلام عنه ووافقه عليه المناوي في ( فيض القدير في شرح الجامع الصغير 3/15 ) والزرقاني المالكي في ( شرح المواهب اللدنيّة 7/8 ) .
    وهكذا ابن حجر المكّي فإنّه قال : ( وفي أحاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع مستأهل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة ، كما أنّ
    ـــــــــــــــــ
    (1) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 3/14 .
    (2) جواهر العقدين ق2 ج 1 ص 94 .

    الصفحة 315
    الكتاب العزيز كذلك ... ) (1) .
    إذن : الأئمّة من بعده والخلفاء والأوصياء له ، يكونون من أهل بيته فقط ، وهم موجودون في كلّ زمانٍ إلى يوم القيامة .