Rss Feed

  1. قال (282) :
    ومنها : إنّه لم يكن عالماً بالقرآن حتى شكّ في موت النبيّ ... فالجواب : أنّ ذلك كان ... ) .
    أقول :
    لابدّ للسّعد ـ كغيره ـ من الاعتذار له بكلّ وجه ، فتراه يذكر له عذرين بينهما بعد المشرقين ، لأنّ حاصل الأوّل كون السبب لإنكاره موت النبيّ ـ خروجه عن حال الفهم والمعرفة لتشوّش باله واضطراب حاله . وحاصل الثاني : كون إنكاره لذلك عن فهمٍ للقرآن وتأمّلٍ في آياته ! لكن كليهما بارد باطل .

    الصفحة 232
    أمّا الأوّل : فلأنّه لو كان تشوش باله واضطراب حاله بمجرّد سماع قولهم مات النبيّ ، للزم يزول عقله بالكليّة لمّا تحقّق عنده موت النّبي بقول أبي بكر ، لكنه بادر إلى السقيفة مرتاح البال ، وجعل يزوّر في نفسه كلاماً ليقوله للأنصار فيخصمهم به ، ثمّ حضرها وفعل هناك ثمّ خارجها ما فعل حتّى أتمّ الأمر لأبي بكر .
    ثمّ إنّ السّعد لم يذكر السبب ( لتشوش البال واضطراب الحال والذّهول عن جليّات الأحوال ) فإن كان السبب محبّة النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والتألّم من فقده ، كان اللازم أن يكون من جملة الذين تولّوا تجهيز النّبي ودفنه ، لا المعرضين عن ذلك ، الغاصبين لتراثه ...
    وأيضاً : لو كان السبب في الإنكار ما ذكر لما جعل القوم كلام أبي بكر له دليلاً على أعلميته كما في كلام الكرماني في شرح الحديث في ( الكواكب الدراري ) : ( وفيه فضيلة عظيمة لأبي بكر ورجحان علمه على عمر وغيره ) .
    وأيضاً : لو كان ما ذكر هو السبب فلماذا لم يكذّب خبر موته صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم أحد ؟ قال السّيوطي : ( أخرج ابن جرير عن القاسم بن عبد الرحمن ابن رافع أخي بني عدي بني النجار قال : انتهى أنس بن النصر عمّ أنس بن مالك إلى عمر وطلحة بن عبيد الله في رجالٍ من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا ما بأيديهم ، فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : قتل محمّد رسول الله . قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ، واستقبل القوم فقائل حتى قتل ) (1) .
    وأمّا الثاني : فلأنّ المعنى الذي يزعم أنّه فهمه من الآيات لا ينافيه الآية : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) فلماذا سكن حين تلاها أبو بكر عليه ولم يقل له : لا دلالة في الآية على من جوّز بالآيات الموت عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم في المستقبل وأنكره في هذه الحال ؟
    ــــــــــــــــــ
    (1) الدرّ المنثور 2 / 81 .

    الصفحة 233