Rss Feed

  1. قوله ( 227 ) :
    ( وأفضل البشر بعد نبيّنا أبو بكر الصدّيق ... وخلافتهم ثابتة على هذا الترتيب أيضاً ) .
    أقول :
    اعلم أنّهم يحاولون إثبات إمامة أبي بكر وفرعيها ـ أعني إمامة عمر ثمّ عثمان ـ تارةً : بدعوى النصّ ، وأخرى : بدعوى الأفضليّة ، وثالثة : بدعوى إجماع الصحابة .
    ولكنّ الماتن اقتصر على دعوى الأفضليّة ، وجعلها هي الدليل على إمامة المشايخ وخلافتهم بالترتيب قبل عليّ أمير المؤمنين ، وذلك لأنّ النصّ على إمامة أبي بكر عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مفقود ، وقد نصّ على ذلك غير واحدٍ منهم كصاحب ( المواقف ) وشارحها ، ولأنّ الإجماع من الصّحابة غير واقع ، كما هو معلوم لكلّ من له خبرة واطّلاع على القضايا ، وحتى أنّ السّعد التفتازاني ـ بعد أن جعل إجماع أهل الحلّ والعقد عمدة الأدلّة على إمامة أبي بكر ـ صرَّح بتوقف عليّ عن البيعة ، ونقل كلام الأنصار ، وما قاله أبو سفيان ، فهو وإن يتعرّض لتفصيل ما كان ، فلم يذكر موت الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) من دون بيعة لأبي بكر ، وكذا موت سعد بن عبادة ، وغير ذلك من الأمور ، إلاّ أنّ كلامه يكفي للدلالة على عدم تحقّق إجماع الصحابة على إمامة أبي بكر .
    ولذا ، فقد اضطرّ بعض أئمّتهم إلى التصريح بأنّ : إمامة أبي بكر قد انعقدت

    الصفحة 288
    ببيعة عمر بن الخطّاب وحده ، كالتفتازاني (1) ، والإيجي (2) ، وكالقاضي أبي يعلى الحنبلي ، فإنّه بعد أن ذكر كلام الأنصار قال : ( حاجّهم عمر وقال لأبي بكر : مدّ يدك أبايعك ) فلم يعتبر الغلبة ، واعتبر العقد مع وجود الاختلاف ) (3) .
    ثمّ الاختلاف الذي أشار إليه لم يكن باللّفظ فقط ، فقد وقع الضّرب باليد والنعال وتعالت الأصوات ، وجعل بعضهم يهدّد البعض الآخر بالقتل وكادوا يقتلون سعداً بأرجلهم ، وقد كان مزمّلاً وجعاً ، فحمل إلى الدار ...
    فإذن ، كانت إمامة أبي بكر ببيعة عمر فقط ، وقد وقعت مع السبّ والضّرب والتهديد والإرعاب ، ثمّ وصفها عمر بـ ( الفلتة ) واستقال منها أبو بكر على رؤوس الأشهاد !! والأنصار لمّا غُلبوا قالوا : ( لا نبايع إلاّ عليّاً ) (4) ، وعليّ ( عليه السلام ) إن كان قد بايع أبا بكر ، فمتى بايع ؟ وكيف كانت بيعته ؟
    يقول المؤرّخون : إنّ عليّاً لم يبايع حتّى ماتت فاطمة ، بل قال بعضهم : لم يبايع أبا بكر أحدٌ من بني هاشم حتّى ماتت (5) ، قال ابن قتيبة : ( ثمّ إنّ عليّاً كرّم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله ، فقيل له : بايع أبا بكر . فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ... فقال له عمر : إنّك لست متروكاً حتّى تبايع ، فقال له عليّ : احلب حلباً لك شطره واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً ... ) ثمّ ذكر قصّة الهجوم على بيت عليّ وفاطمة إلى أن قال : ( وأخرجوا عليّاً فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له : بايع ، فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذاً ـ والله الذي لا إله إلاّ هو ـ تضرب عُنقك ... ) (6) .
    ــــــــــــــــــ
    (1) شرح المقاصد 5/254 .
    (2) شرح المواقف 2/2 .
    (3) الأحكام السلطانية : 23 ـ 24 .
    (4) تاريخ الطبري 3/198 ، الكامل لابن الأثير 2/157 .
    (5) تاريخ الطبري 3/208 ، الكامل في التاريخ 2/157 ، مروج الذهب 2/329 .
    (6) الإمامة والسياسة 1/28 ـ 33 ، ولا يصدّقنّ أحد تشكيك البعض في نسبة هذا الكتاب إلى ابن قتيبة الدينوري المتوفّى سنة 276 ، فقد نقل كبار العلماء والمؤرّخين منذ القرون البعيدة جدّاً عن هذا الكتاب واعتمدوا عليه مع عزوه إلى مؤلّفه المذكور ، منهم الإمام الحافظ تقيّ الدين الفاسي المتوفّى سنة 832 في كتابه ( العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ) فراجع الجزء 6 منه ص 72 .

    الصفحة 289

    وعلى الجملة ، فهذا حال الدليل العمدة عند بعضهم كالتفتازاني في ( شرح المقاصد ) . لكنّه تبع النسفي هنا ، وجعل الأفضلية هي الدليل ، إلاّ أنّه عاد وألقى العهدة على السّلف فقال ما نصّه (228) :
    ( على هذا الترتيب وجدنا السلف ، والظاهر أنّه لو لم يكن لهم دليل على ذلك لما حكموا بذلك . وأمّا نحن ، فقد وجدنا دلائل الجانبين متعارضةً وإن لم نجد هذه المسألة فيما يتعلّق به شيء من الأعمال ، أو يكون التوقّف فيه مخلاًّ بشيءٍ من الواجبات ...) وكلامه في ( المقاصد ) و ( شرحها ) أوضح ، أمّا في المتن ، فقال :
     ( إنّ اتفاق أكثر العلماء على ذلك يقضي بوجود دليل لهم ) ، وأمّا في الشرح فقال : ( إنّ جمهور عظماء الملّة وعلماء الأمّة أطبقوا على ذلك ، وحسن الظنّ بهم يقضي بأنّهم لو لم يعرفوه بدلائل وأمارات لما أطبقوا عليه ) ، ونقل عن إمام الحرمين قوله : ( لا قاطع شاهد من العقل على تفضيل بعض الأئمّة على البعض ، والأخبار الواردة على فضائلهم متعارضة ، لكن الغالب على الظنّ أنّ أبا بكر أفضل ثمّ عمر ثمّ يتعارض الظنون في عثمان وعليّ ) وكذا قال العضد الأيجي وشارحه ... فراجعه .
    فرجع هذا الدليل إلى ( حسن الظنّ ) بمن قدّم أبا بكر على عليّ ( عليه السلام ) !! وإلى ( الغالب على الظنّ ) .
    وتلخّص :
    1 ـ أنّ النصّ مفقود .
    2 ـ والإجماع غير محقّق .

    الصفحة 290

    3 ـ والأفضليّة لا دليل عليها إلاّ ( حسن الظن ) .
    وأيّ ( غلبة ظنّ ) أو ( حسن ظنّ ) سيبقى بعد أن عرفنا كيف كانت بيعة عليّ وبني هاشم ، وأنّ الزبير إنّما بايع بعد أن خرج بالسيف ، فوثبوا عليه واعتنقوه وأخذوا السيف من يده ، فضرب به عمر الحجر فكسره (1) ، وأنّ سعد بن عبادة مات أبو بكر ولم يبايعه ، وأنّ الزهراء الطاهرة ماتت ولم تبايع أبا بكر ... إلى غير ذلك من القضايا الثابتة .
    وأيّ أفضليّة تبقى ، مع ذهاب الكثير من أعلام الصحابة وعلماء الأمّة إلى أفضليّة عليّ ( عليه السلام ) ، قال الحافظ ابن عبد البر : ( وروي عن : سلمان ، وأبي ذر ، والمقداد ، وخباب ، وجابر ، وأبي سعيد الخدري ، وزيد بن الأرقم : أنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أوّل من أسلم ، وفضّله هؤلاء على غيره ) (2) .
    وقال الحافظ ابن حزم : ( اختلف المسلمون في من هو أفضل الناس بعد الأنبياء ( عليهم السلام ) ، فذهب بعض أهل السنّة وبعض المعتزلة وبعض المرجئة ، وجميع الشيعة ، إلى أنّ أفضل الأُمّة بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه . وقد روينا هذا القول نصّاً عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وعن جماعة من التابعين والفقهاء ) (3) .
    وكيف لا يكون عليه السلام هو الأفضل وقد قال الحافظ النووي : (وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات مشهور ) (4) .
    وبما ذكرناه بالإيجاز عن قضيّة السقيفة وعن إباية عليّ وبني هاشم
    ــــــــــــــــ
    (1) تاريخ الطبري 3/202 .
    (2) الاستيعاب 3/1090 .
    (3) الفصل 4/181 .
    (4) تهذيب الأسماء واللغات 1/346 .

    الصفحة 291

    وغيرهم بيعة أبي بكر ، وأنّه إن كان قد بايع فإنّ بيعته كانت عن إكراهٍ وتهديد بالقتل ... يظهر سقوط قول التفتازاني هنا (229) : ( وذلك لأنّ الصحابة قد اجتمعوا يوم توفي رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في سقيفة بني ساعدة ، واستقرّ رأيهم بعد المشاورة والمنازعة على خلافة أبي بكر ، فاجتمعوا على ذلك) وذلك :
    أوّلاّ : الصحابة لم تجتمع هناك ، بل تفرقت إلى فرقٍ ، فمنهم من كانوا عند جنازة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ومنهم من كانوا في بيوتهم ، ومنهم من كانوا في السقيفة ، وهم قوم من الأنصار وثلاثة فقط من المهاجرين : أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح .
    وثانياً : لم تكن هناك شورى ، وإنّما كان ضرب ولعن وصياح ...
    وثالثاً : حتى الذين حضروا السقيفة ما اجتمعوا على ذلك ، وإنّما انعقد الأمر لأبي بكر ببيعة عمر وتبعه أبو عبيدة ورجال من الأوس . وأمّا الخزرج وعلى رأسهم سعد بن عبادة فلا .
    وكذا قوله ( 230 ) : ( وبايعه عليّ رضي الله عنه على رؤوس الأشهاد بعد توقّف كان منه ) .
    فقد ظهر أنّ بيعة عليّ ـ إن كانت ـ لم تكن عن رضا ، وذلك بعد ستّة أشهر .
    وإذا ظهر أن لا إجماع منهم على خلافة أبي بكر وإمامته ، فلا مصداقيّة لقوله ( 230) :
    وكيف يتصوّر في حقّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم الاتّفاق على الباطل ؟! ) .