Rss Feed

  1. قال (299) :
    وإنّ ( أحبّ خلقك ) يحتمل تخصيص أبي بكر وعمر منه ، عملاً بأدلّة أفضليتهما ، ويحتمل أن يراد : أحب الخلق إليك في أن يأكل منه ) .
    أقول :
    أمّا الاحتمال الأوّل ، ففيه :
    أوّلاً : أنّ القرائن الحاليّة والمقالية الموجودة مع حديث الطير تفيد كونه آبياً عن أيّ تخصيص .
    وثانياً : أنّ تخصيص أبي بكر وعمر منه ـ ولا يخفى أنّه لا يذكر عثمان معهما ـ موقوف على ثبوت أفضليّتهما ، وقد عرفت أنّه لا دليل عليها مطلقاً .
    وثالثاً : أنّ بعض ألفاظ حديث الطير المروي في غير واحدٍ من كتبهم المعتبرة نصّ في عدم تخصيصهما ، فقد روى النسائي في ( الخصائص ) بسندٍ صحيح عن

    الصفحة 267

    أنس بن مالك : ( أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان عنده طائر فقال : اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء أبو بكر فردّه ! ثمّ جاء عمر فردّه ! ثمّ جاء علي فأذن له ) .
    وأمّا الاحتمال الثّاني فيردّه وجوه :
    الأوّل : أنّه قد تقرّر أنّ حذف المتعلّق يدلّ على العموم ، فالحديث ظاهر في الأحبّية من جميع الجهات ، وتخصيصه بجهةٍ دون أخرى بلا مخصّص مردود .
    وثانياً : أنّ هذه الشبهة طرحها بعض المخالفين المتقدّمين على السّعد بقرون ، وتعرّض للجواب عنها المشايخ الكبار من أصحابنا ، قال الشيخ محمّد بن محمد النعمان البغدادي المعروف بالمفيد المتوفّى سنة 413 قال كما في ( الفصول المختارة ) : ( هذا الذي اعترضت به ساقط ، وذلك أنّ محبّة الله تعالى ليست ميل الطّباع وإنّما هي الثواب ، كما أنّ بغضه وغضبه ليست باهتياج الطّباع . وإنّما هما العقاب ، ولفظ أفعل في أحبّ وأبغض لا يتوجّه إلاّ معناهما من الثواب والعقاب ، ولا معنى على هذا الأصل لقول من زعم أنّ أحبّ الخلق إلى الله يأكل مع رسول الله توجّه إلى محبّة الأكل والمبالغة في ذلك بلفظ أفعل ، لأنّه يخرج اللفظ ممّا ذكرناه من الثواب إلى ميل الطباع ، وذلك محال في صفة الله تعالى ) .
    وثالثاً : أنّ حديث الطير ممّا احتجّ به الإمام عليه السلام في مناشدة أهل الشورى ، روى ذلك الحاكم النيسابوري ـ كما في كفاية الطالب ـ وجماعة من كبار المحدّثين ، فلو كان مراد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الأحبّ في الأكل فقط لما تمّ احتجاجه ، أو لذكّره القوم بذلك وما سكتوا .
    ورابعاً : لو كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أراد الأحبّ في شيء دون شيء لجاء مع عليّ عليه السلام أناس آخرون يكونون أحبّ إليه في بعض الأمور ، بل لا يكون لدعائه فائدة ، لأنّ حال عليّ حينئذٍ كسائر المؤمنين الذين يحبّهم الله في بعض أعمالهم ، ففي أيّ شيء كان تأثير دعائه صلّى الله عليه وآله وسلّم المستجاب قطعاً ؟

    الصفحة 268

    وخامساً : أنّه لو كان عليّ أحبّ إليه في بعض الأشياء كان وغيره أحبّ إليه في البعض الآخر ، وحينئذٍ لم يكن وجه لأن يردّ أنس عليّاً عليه السلام قائلاً في كلّ مرّة يأتي ( رسول الله على حاجة ) ثمّ يعتذر بأنّه كان يرجو أن يكون الدعاء لرجلٍ من قومه الأنصار !
    قال (299) :
    ( وإنّ حكم الأخوة ثابت في حقّ أبي بكر وعثمان ... ) .
    أقول :
    ما ذكره دليلاً على هذا المدّعى باطل ، ولو صحّ على أصولهم فليس بحجّة علينا . على أنّ حديث ( أخي ورفيقي في الجنّة ) قد عرفت بطلانه بإقرار علمائهم .
    قال (299) :
    ( وأمّا حديث العلم والشّجاعة ... ) .
    أقول :
    لا يخفى أنّه لم يدّع لعثمان علماً ولا شجاعة ، ولم يدّع لعمر شجاعة . وادّعى العلم لأبي بكر وعمر لكن عبارته : ( لم تقع حادثة إلاّ ولأبي بكر وعمر فيهـ [ـا] رأي ) فأقول :
    1 ـ هل يكون هذا الكلام جواباً عن أعلمية أمير المؤمنين ومرجعيّته في جميع العلوم المضروب بها المثل بين الأوّلين والآخرين ؟
    2 ـ هناك موارد كثيرة سئل فيها الشيخان عن شيء فكانا جاهلين ... وتلك قضايا الأسئلة منهما مدوّنة يعلمها الكلّ ولا ينكرها أحد ؟
    3 ـ على السّعد أن يذكر شيئاً من موارد إصابة رأيهما ومتابعة سائر الصّحابة لهما ، أمّا دعوى أنّه لم تقع حادثة إلاّ ولهما رأي فغير مسموعة .
    وادّعى الشجاعة لأبي بكر وحده ولكن عبارته : ( ولم يكن رباط الجأش وشجاعة القلب وترك الاكتراث في المهالك في أبي بكر أقلّ من أحد ... ) فأقول :

    الصفحة 269

    إنّ أشجعيّة أمير المؤمنين عليه السلام يضرب بها المثل ويعترف بها الموافق والمخالف ، وما قامت للدّين الحنيف قائمة إلاّ بسيفه ... وتلك مواقفه في الغزوات والحروب يعرفها الجميع ... فمن يدانيه في شجاعته ... والسّعد لا يدّعي الأشجعيّة له خاصة من عليّ عليه السلام ، ولم يجرؤ على التصريح باسمه ، بل يقول : ( لم يكن ... أقلّ من أحد ) !!
    قال (300) :
    وأمّا حديث زهدهما في الدنيا فغنّي عن البيان ) .
    أقول :
    هلاّ ذكر عثمان كذلك ؟ وقوله : ( غني من البيان ) ليس إلاّ فراراً من الميدان ، وإلاّ فليأت بأدلّة وشواهد ... ولقد روى القوم أنفسهم عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وصف الإمام عليه السلام بالزهد ، فقال له : ( يا عليّ ، إنّ الله تعالى قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينةٍ أحبّ إلى الله منها ، هي زينة الأبرار عند الله عزّ وجلّ : الزهد في الدنيا ، فجعلك لا تزرأ من الدنيا شيئاً ولا تزرأ الدنيا منك شيئاً ، ووهب لك حبّ المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعاً ويرضون بك إماماً ) (1) .
    قال (300) :
    وأمّا السّابق إسلاماً فقيل : عليّ وقيل ... ) .
    أقول :
    ليس غرض السّعد إلاّ إنكار هذه الفضيلة للإمام عليه السّلام ، وإلاّ فإنّ حديث سبقه إلى الإسلام رواه : الترمذي وأبو حنيفة والحاكم والبيهقي والطبري والسهيلي وابن هشام وابن الأثير وابن كثير وابن عبد البّر وابن حجر العسقلاني والخطيب وابن سعد وأبو نعيم والزمخشري والسيوطي والمناويّ عن عدّة كبيرة من الأصحاب ، بل قال ابن حجر المكّي : ( نقل بعضهم الإجماع عليه ... ومن ثمّ
    ـــــــــــــــــ
    (1) حلية الأولياء 1 / 71 ترجمته عليه السلام .

    الصفحة 270

    يقال : كرّم الله وجهه ) (1) ، بل أخرج الحاكم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( أوّلكم وروداً عليّ الحوض أوّلكم إسلاماً : عليّ بن أبي طالب ) (2) ... وعن عليّ عليه السلام ـ فيما أخرجه البلاذري وابن عساكر وغيرهما ـ ( أنا الصّديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم ) (3) . هذا في إسلام عليّ .
    وأمّا إسلام أبي بكر فقد روى غير واحد أنّه أسلم قبله أكثر من خمسين (4) .
    وبعد هذا كلّه فإنّ السّعد لم يذكر دليلاً على دعوى سبق أبي بكر إلى الإسلام إلاّ شعر حسّان ، فإنّه قال :
    وقيل : أبو بكر ، وعليه الأكثرون على ما صرّح به حسّان بن ثابت في شعر أنشده ... ) .
    أقول : أين شعر حسّان ؟ وما هو ؟ ومن يرويه ؟ ولو سلّم فهل يقاوم ما تقدّم ؟ على أنّ من شعر حسّان بن ثابت :
     
    ( جــــبريل نـادى معـلنـا                 والـنـقـع لـيس بمـنـجـلي
    والمـســلمـون قـد أحـدقـوا                حـول الـنـّبـي المـرســل
    لا ســيف إلاّ ذو الــفـقــار             ولا فــتـى إلاّ عــلـي  ) (5)

    ومن شعره الثابت المرويّ في كتب الفريقين شعر ، يوم غدير خم وقد تعرّضنا له سابقاً .
    ـــــــــــــــــ
    (1) الصواعق المحرقة : 72 .
    (2) المستدرك على الصحيحين 3 / 136 .
    (3) أنساب الأشراف 2 / 146 ، تاريخ دمشق 1 / 53 ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام .
    (4) تاريخ الطبري 3 / 420 .
    (5) رواه سبط ابن الجوزي في التذكرة : 16 عن أحمد في الفضائل .