Rss Feed

  1. وأمّا موقف الإمام عليه السلام من معاوية فقد اختلف تماماً ، لأنّ ظروفه اختلفت ، فما كان يشكو منه سابقاً ـ وهو عدم المعين إلاّ أهل بيته ـ منتفٍ الآن ... لقد وجد الآن من يعينه على أمره ، لقد بايعه المسلمون وعلى رأسهم المهاجرون والأنصار ، وأعلنوا الوقوف معه ضد كلّ من يبغي عليه ، وهم يعرفون معاوية وأسلافه وفئته الباغية ... لكنّ الإمام عليه السلام لم ينابذه الحرب إلاّ بعد أن أرسل إليه الرّسل والكتب ، وأتّم عليه الحجج ... وقد كان ممّا قال له :
    ( إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر عمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد ، وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجلٍ وسمّوه إماماً كان ذلك الله رضىً ، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاّه الله ما تولّى ) (1) .
    وقد جاء هذا المعنى في خطبةٍ له عليه السلام :
    ( أيّها الناس ، إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله
    ـــــــــــــــ
    (1) نهج البلاغة ط صبحي الصالح : 366 .

    الصفحة 32
    فيه ، فإن شغب شاغب استُعتِب ، فإن أبي قُوتل ، ولَعمرى ، لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامّة الناس ، فما إلى ذلك سبيل ، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ، ثمّ ليس للشاهد أن يرجع ، ولا الغائب أن يختار . ألاّ وإنّي أقاتل رجلين ، رجلاً ادّعى ما ليس له ، وآخر منع الذي عليه ) (1) .
    إذن ، يعتبر في الإمام النصّ والأفضلية ، كالنصوص والفضائل التي ناشد به أصحاب الشورى ، والمقصود هم والذين سبقوهم ، وكالأعلّمية التي ذكرها في الخطبة المذكورة هذه ... فإن بايع المهاجرون والأنصار كان ( أقواهم عليه ) ، وكان على الآخرين المتابعة والطّاعة .
    وقد توهّم بعض المتكلّمين من أهل السنّة ، كالشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب ( التحفة الاثنا عشريّة ) فتمسّك بما جاء في كتاب الإمام عليه السلام إلى معاوية وجعله معارضاً لحديث الثقلين المتواتر بين الفريقين ... غافلاً عن أنّ احتجاج الإمام عليه السلام بما ذكره إنّما هو لإلزام معاوية ، لكونه يرى صحّة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان لبيعة المهاجرين والأنصار ـ فقد بايعوني كلّهم ـ . ولو أنّهم جميعهم اجتمعوا على أمرٍ كان لله فيه رضىً ، لأنّه حينئذٍ يكون فيهم المعصوم الذي فعله حجّة ... لكنّ الواقع عدم تحقّق هكذا إجماعٍ على واحد من الثلاثة .  فما ذكره الإمام لمعاوية ليس إلاً للإلزام .