Rss Feed

  1. وأمّا الكلام في الدّلالة فالجواب عن الشبهة الأولى ـ وهي عمدة ما في المقام ـ هو أنّ معيار العموم جواز الاستثناء كما نصّ عليه الأصوليّون قاطبة ، كما لا يخفى على من لاحظ مباحث العموم في ( المنهاج للبيضاوي ) وشروحه ، وفي ( مسلّم الثبوت ، للبهاري ) وشرحه ، وغيرها من كتب الأصول ، ومن الواضح جداً أنّ اسم
    ــــــــــــــــــ
     = لاحظ جامع الأصول 9 / 468 .
    (1) لاحظ كلام الحافظ ابن القيسراني المقدسي في كتاب الجمع بين رجال الصحيحين وكلام النووي وشارحه السيوطي في تدريب الراوي . وغيرهما .
    (2) الاستيعاب ، ترجمة أمير المؤمنين 3 / 1090 .

    الصفحة 216
    الجنس المضاف من ألفاظ العموم كما نصّ عليه جميعهم كذلك ، منهم السّعد نفسه في شرح شرح مختصر الأصول ، تبعاً لابن الحاجب والقاضي العضد ، فقد جاء في ( شرح المختصر ) ما نصّه :
    ( ثمّ الصيغة الموضوعة له ، أي للعموم ، عند المحقّقين هي هذه : فمنها : أسماء الشرط والاستفهام نحو : من وما ومهما وأينما ، ومنها : الموصولات نحو : من وما والذي ، ومنها : الجموع المعرفة تعريف جنس لا عهد ، والمجموع المضافة نحو العلماء وعلماء بغداد ، ومنها : اسم الجنس كذلك أي معرفّاً تعريف جنس أو مضافاً ) (1) .
    وفي ( شرح المنهاج ) : ( المسألة الثانية فيما يفيد العموم ... وأمّا الجمع المضاف سواء كان جمع كثرة نحو قوله تعالى : ( يَا عِبَادِيَ ) الآية ، أو جمع قلّة نحو قوله عليه السلام : أولادنا أكبادنا . وكذا اسم الجنس يكون عاماً إذا كان محلّىً بالألف واللام نحو قوله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا ) أو مضافاً نحو قوله تعالى : ( عَنْ أَمْرِهِ ) ) .
    وفي ( فواتح الرحموت ) : ( أنّ المفرد المضاف أيضاً من صيغ العموم ، كيف ، ويصحّ الاستثناء وهو معيار العموم ) . وكما تجد هذه القاعدة في الكتب الأصولية ، كذلك تجدها في الكتب الأدبية ، وفي كلام السّعد نفسه ، فقد ذكر السّعد في ( شرحه المختصر على تلخيص المفتاح ) بتعريف علم البلاغة : ( فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب للحال والمقام . يعني : إذا علم أنّ ليس ارتفاع شأن الكلام الفصيح في الحسن الذاتي إلاّ بمطابقته للاعتبار المناسب على ما يفيده إضافة المصدر ، ومعلوم أنّه إنّما يرتفع بالبلاغة ... فليتأمّل ) قال الخطائي في حاشية :
    ( قوله : على ما يفيد إضافة المصدر . لأنّها تفيد الحصر كما ذكروا في ضربي زيداً قائماً ، أنّه يفيد انحصار جميع الضربات في حال القيام . وفيه تأمّل . لأنّ إضافة
    ــــــــــــــــــ
    (1) شرح مختصر الأصول 2 / 102 .

    الصفحة 217
    المصدر إنّما تفيد العموم لأنّ اسم الجنس المضاف من أدوات العموم ، والانحصار في المثال المذكور إنّما هو من جهة أنّ العموم فيه يستلزم الحصر ... ) .
    وفي حاشية الجلبي على ( شرحه المطوّل ) : ( قوله : واستغراق المفرد أشمل . قد سبق تصريح الشارح بأنّ إضافة المصدر تفيد الحصر ، وحقّق هناك أنّ مبناه كون المصدر المضاف من صيغ العموم ، فهذه القضية كلّية ... ) .
    هذا ، ولو أردنا أيراد كلماتهم لطال بنا المقام ... فالعجب من السّعد كيف ينسى في هذا الموضع ما قرّره هو وغيره من الأعلام ؟!
    فظهر سقوط قوله : ( منع عموم المنازل ) .
    وكذا قوله : ( بل غاية الاسم المفرد المضاف إلى العلم الإطلاق ، وربّما يدّعى كونه معهوداً معيّناً كغلام زيد ) .
    فإنّ تبادر العهد من ( غلام زيد ) بسبب القرينة لا يستلزم عدم العموم في كلّ اسمٍ مضاف ، لانّ اسم الجنس المعرّف باللام والجمع باللام أو المضاف الدالّة على العموم ـ كما صرّح بذلك علماء الأصول ـ تحمل على العهد أينما تحقّق العهد ، وهذا لا ينقي كونها للعموم حيث لا عهد ، فكذا في اسم الجنس المضاف ، قال الجلال المحلّي في ( شرح جمع الجوامع ) : ( والجمع المعرّف باللاّم نحو : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) ، أو الإضافة نحو: ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ ) للعموم ما لم يتحقّق عهد لتبادره إلى الذّهن ) .
    وكيف يقول : ( غاية الاسم ... الإطلاق ) ؟ والحال أنّه حيث لا يتحقّق العهد يكون الاستثناء صحيحاً ، وقد عرفت أن صحّته دليل العموم ، كما عرفت أنّ اسم الجنس المضاف من صيغ العموم .
    سلّمنا أن غايته الإطلاق ، فإنّ الإطلاق أيضاً كاف لإثبات دلالة الحديث على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، لانّ المتكلّم الحكيم إذا جاء بلفظ مطلق ولم ينصب قرينة على التقييد أفاد العموم وإلاّ لزم الإهمال ، بل لقد نصّ السّعد نفسه في ( شرح التوضيح ) على أنّه لابدّ من حمل صيغ العموم على الكلّ احترازاً عن

    الصفحة 218
    ترجيح البعض بلا مرجّح ، فكذلك الأمر في عموم المطلق وشموله لجميع أفراده .
    إذن ، لا سبيل إلى إنكار دلالة الحديث على العموم ، ومن هنا اعترف شيخه القاضي العضد بذلك (1) إلاّ أنّه ادعى العهد ، لكنّ السّعد يقول : ( وربّما يدعى كونه معهوداً كغلام زيد ) فهو غير جازم بالعهد ، وذلك لأنّه يدري أنّ العهد المدعى ليس إلاّ قرينيّة زمان صدور الحديث ، وهو وقت الخروج عن المدينة إلى تبوك ... كما نصّ عليه شارح المواقف ... وهو موقوف على كون المورد مخصّصاً وهو باطل ، ولذا قال : ( وأمّا الجواب : بأنّ النبي لمّا خرج ... فربّما يدفع بأنّ العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، بل ربما يحتجّ ... ) .
    هذا أوّلاً :
    وثانياً : أنّ ورود الحديث غير مختص بهذا المورد ، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا الكلام لعلي عليه السلام في مواضع عديدة ، منها عند المؤاخاة ، وقد أوردنا الخبر في ذلك في ( الطرائف ) عن أحمد بن حنبل كما في ( كنز العمّال ) ، وسيأتي خبر آخر فيه قريباً .
    وأمّا قوله : ( وليس الاستثناء المذكور إخراجاً ... بل منقطع ... ) .
    فهذا الإشكال ذكره شيخه القاضي العضد ... فأنصف السّعد وأجاد في دفعه بقوله : ( اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّها بمنزلة المستثنى ، لظهور انتفائها ) . إلى هنا تمّ دلالة الحديث على العموم ...
    قال : ( ولو سلّم العموم فليس من منازل هارون الخلافة والتصرّف ... وقوله : اخلفني . ليس استخلافاً ... ) .
    ويردّه تصريح كبار المفسّرين منهم بتفسير قوله : ( اخلفني ) بأنّ المعنى ( كن خليفتي ونافذ أمرك فيهم ) فلاحظ تفاسير : ( الكشّاف ) و ( الرازي ) و ( البيضاوي ) و ( النيسابوري ) و ( النسفي ) و ( ابن كثير ) و ( الخازن ) ...
    ــــــــــــــــــ
    (1) المواقف في علم الكلام 8 / 363 .

    الصفحة 219
    وإذا كان من جملة المنازل الثابتة لهارون بخلافته : فرض طاعته ونفوذ أمره في الأمّة ، فعليّ عليه السلام المنزّل منزلة هارون كذلك ، ولو صرّح النبيّ بهذا المعنى وقال : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى في فرض الطّاعة ونفوذ الأمر وإن لم تكن شريكي في النبوّة ، لكان كلاماً مستقيماً لا تنافي فيه أصلاً .
    ويؤكّد ذلك أمره صلّى الله عليه وآله وسلّم في غير واحد من الأخبار المعتبرة بإطاعة عليٍّ إطاعةً مطلقة ، وأنّ من أطاع علياً فقد أطاعه ومن أطاعه فقد أطاع الله ، منها : ما أخرجه الحاكم بسنده عن أبي ذر رحمه الله،  قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( مَن أطاعني فقد أطاع الله ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاع عليّاً فقد أطاعني ومَن عصى علياً فقد عصاني . هذا الحديث صحيح الإسناد )(1) .
    هذا ، ولولا دلالة هذا الحديث على حصول تلك المنازل لعليّ عليه السلام لم يقل عمر بن الخطّاب ـ فيما رواه جماعة منهم الحاكم وابن النجّار كما في ( كنز العمّال ) ـ ( كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالب ، فإنّي سمعت رسول الله يقول في عليّ ثلاث خصالٍ لئن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس : كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح ونفر من أصحاب رسول الله والنبيّ متكئ على عليّ بن أبي طالب ، حتى ضرب بيده على منكبه ثمّ قال : وأنت يا عليّ أوّل المؤمنين إيماناً وأوّلهم إسلاماً . ثمّ قال : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى . وكذب عليّ من زعم أنّه يحبّني ويبغضك ) .
    ولم يقل مثله سعد بن أبي وقاص كما رواه ابن ماجة في ( سننه ) وغيره .
    ولم يحتج به كبار الصحابة في مواطن مختلفة ، وأمير المؤمنين نفسه في احتجاجه على أهل الشورى .
    ــــــــــــــــــ
    (1) المستدرك على الصحيحين 3 / 121 .