Rss Feed

  1. وفي الشّورى ، طالب عليه السّلام بحقّه ، وصرّح بحرصه عليه منذ اليوم الأوّل ، ففي خطبةٍ له :
    ( وقد قال قائل : إنّك على هذا الأمر ـ يا ابن أبي طالب ـ لحريص ! فقلت : بل أنتم ـ والله ـ لأحرص وأبعد ، وأنا أخصّ وأقرب ، وإنّما طلبت حقّاً لي ، وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه . فلمّا قرعته بالحجّة الملأ الحاضرين هبّ كأنّه بهت لا يدري ما يجيبني به .
    اللهم إنّي استعديك على قريش ومن أعانهم ، فإنّهم قطعا رحمي ، وصغّروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ، ثمّ قالوا : ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه ، وفي الحقّ أن تتركه ) (2) .
    ( ومن خطبةٍ له عليه السلام : لّما عزموا على بيعة عثمان : لقد علمتم أنّي
    ـــــــــــــــــ
    (1) نهج البلاغة ، ط صبحي الصالح : 387 .
    (2) نهج البلاغة ، ط صبحي الصالح : 246 .

    الصفحة 28
    أحقّ بها من غيري ، ووالله لأسلّمنّ ما سلمت أمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصّة ؛ التماساً لأجر ذلك وفضله ، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه (1) .
    فهو عليه السلام في هذا الكلام أيضاً يصرّح بأنّه أحقّ بالإمامة من غيره مطلقاً ، ويقول للقوم بأنّكم عالمون بذلك ، ولم يقل قوله : ( والله لأسلمنّ ... ) إلاّ بعد أن ناشد القوم بحقّه ، وبعد أن هدّدوه بالقتل إن لم يبايع :
    يقول ابن أبي الحديد : ( ونحن نذكر ـ في هذا الموضع ـ ما استفاض من الروايات من مناشدته أصحاب الشورى ، وتعديده فضائله وخصائصه ، التي بان بها منهم ومن غيرهم . وقد روى الناس ذلك فأكثروا ، والذي صحّ عندنا أنّه لم يكن الأمر كما روي من تلك التعديدات الطويلة ، ولكنّه قال لهم ، بعد أن بايع عبد الرحمن والحاضرون عثمان ، وتلكّأ هو عليه السلام عن البيعة :
    إنّ لنا حقّاً إن نعطه نأخذه ، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى ـ في كلام ذكره أهل السيرة ، وقد أوردنا بعضه فيما تقدم ـ ثمّ قال لهم :
    أنشدكم الله ، أفيكم أحد آخى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بينه وبين نفسه حيث آخى بين المسلمين وبعضٍ ، غيري ؟!
    فقالوا : لا .
    فقال : أفيكم أحدٌ قال له رسول الله : من كنت مولاه فهذا مولاه . غيري ؟!
    فقالوا : لا .
    فقال : أفيكم أحدٌ قال له رسول الله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي . غيري ؟!
    قالوا : لا .
    ــــــــــــــــ
    (1) نهج البلاغة ، صبحي الصالح : 102 .

    الصفحة 29

    قال : أفيكم من أُوتمن على سورة براءة وقال له رسول الله : إنّه لا يؤدّي عني إلاّ أنا أو رجل منّي . غيري ؟!
    قالوا : لا .
    قال : أتعلمون أنّ أصحاب رسول الله فرّوا عنه في مأقط الحرب في غير موطن ، وما فررت قط ؟!
    قالوا : بلى .
    قال : أتعلمون أنّي أوّل الناس إسلاماً ؟!
    قالوا : بلى .
    قال : فأيّنا أقرب إلى رسول الله نسباً ؟!
    قالوا : أنت . فقطع عليه عبد الرحمن بن عوف كلامه وقال : يا عليّ ، قد أبى الناس إلاّ على عثمان ! فلا تجعلنَّ على نفسك سبيلاً . ثّمّ قال : يا أبا طلحة ، ما الذي أمرك به عمر ؟ قال : أن أقتل من شقّ عصا الجماعة .
    فقال عبد الرحمن لعلي : بايع إذن ، وإلاّ كنت متّبعاً غير سبيل المؤمنين ، وأنفذنا فيك ما أُمرنا به .
    فقال : لقد علمتم أنّي أحق بها من غيري ، ووالله لأسلمنّ ... . ثم مدّ يده فبايع ) (1) .
    فهذا واقع الحال في الشوري وقبلها ...
    ــــــــــــــ
    (1) شرح نهج البلاغة 6 / 167 .